كتب: إسلاميات المجاهدة: هي الأعمال التي تزيل الأخلاق الذميمة، وتحصل الأخلاق الحميدة، سواء كانت من أعمال القلوب أم الجوارح وهي مطلوبة، قال الله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين} (العنكبوت: 69)، سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الجهاد فقال: (كلمة عدل عند سلطان جائر)[1].
وورد في أفضل الأعمال: (الإيمان ثم الجهاد)[2]. وورد: (أفضل الأعمال الصلاة لوقتها)[3].
فالأجوبة مختلفة في أوقات، فأجاب صلى الله عليه وسلم في كل منها بما هو الأفضل في حق السامع، فمن ظهر منه قلة الكلام في العدل عن السلطان، قال له: أفضلها: (كلمة عدل عند سلطان جائر) ومن ظهر منه قلة إيمان قال له: (أفضلها الإيمان) ومن ظهر منه قلة صلاة قال له أفضلها: (الصلاة).
ومجاهدة كل أحد تكون بقيامه بحقوق ما أقيم فيه من أمريّة، وتحابب في الله، وتعلق قلبه في المساجد، فالأمير يقوم بما يتعلق به من حقوق الناس، والمتحابون في الله لا يصح لهم الحب فيه حتى تزول عنهم محبة الدنيا بالكلية، ويؤثر كل منهم صاحبه بما أمكنه.
قال الدقاق: من زيّن ظاهره بالمجاهدة حسن الله سرائره بالمشاهدة، ومن لم يكن في بدايته صاحب مجاهدة لم يجد من هذا الطريق نسمة، فإذا اجتهد في شبيبته في الأعمال، وجد بركة ذلك حين عجزه وكبر سنه.
قال المغربي: من ظن أن يُفتح له شيء من هذه الطريقة أو يُكشف له عن شيء منها لا بلزوم المجاهدة فهو في غلط.
وقال الجنيد: ما أخذنا التصوف من القيل والقال، ولكن من الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات. وقيل: حقيقة الإرادة استدامة الجد وترك الراحة.
وقال السري: يا معشر الشباب.. جدوا قبل أن تبلغوا مبلغي فتضعفوا وتقصّروا كما ضعفت وقصرت، وكان في ذلك السن لا يلحقه الشباب في العبادة.
وقال القزاز : بُني علم التصوف على ثلاثة أشياء: ألا تأكل إلا عند الفاقة، ولا تنام إلا عند الغلبة، ولا تتكلم إلا عند الضرورة.
وقال إبراهيم بن أدهم: لن ينال الرجل درجة الصالحين حتى يجوز ست عقبات:
أولها: يغلق باب النعمة ويفتح باب الشدة.
والثاني: يغلق باب العز ويفتح باب الذل.
والثالث: يغلق باب الراحة ويفتح باب الجهد.
والرابع: يغلق باب النوم ويفتح باب السهر.
والخامس: يغلق باب الغنى ويفتح باب الفقر.
والسادس: يغلق باب الأمل ويفتح باب الاستعداد للموت.
وقال أبو عمرو بن نجيد: من كرمت عليه نفسه هان عليه ذنبه.
ويحكى عن أبي محمد المرتعش أنه قال: حججتُ كذا وكذا حجة على التجريد، أقاسي فيها التعب والجوع، فبان لي أن جميع ذلك كان مشوباً بحظي، وذلك أن والدتي سألتني يوماً أن أستقي لها جرة ماء، فثقل ذلك على نفسي، فعلمت أن مطاوعة نفسي في أعمال الحجات كانت لحظ وثواب لنفسي، إذ لو كانت نفسي فانية لم يصعب عليها ما هو حق واجب في الشرع ، ويسهل عليها ما هو نفل فيه.
وقال إبراهيم الخوَّاص: ما هالني شيء إلا ركبته. وقال محمد بن الفضل: الراحة هو الخلاص من أمانيّ النفس.
وقال ذو النون المصري: إنما دخل الفساد على الخلق من ستة أشياء:
الأول: ضعف النية بعمل الآخرة، والثاني: صارت أبدانهم رهينة لشهواتهم، والثالث: غلبهم طول الأمل مع قرب الأجل، والرابع: آثروا رضا المخلوقين على رضا الخالق، والخامس: ابتغوا أهواءهم ونبذوا سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم وراء ظهورهم، والسادس: جعلوا قليل زلات السلف حجة لأنفسهم ودفنوا كثير مناقبهم.
-----------------------------------------------
* بتصرف - نقلا عن كتاب (الجد في السلوك إلى ملك الملوك) للشيخ أسعد محمد الصاغرجي.