قال الله تعالى: {يدعون ربهم خوفاً وطمعاً} (السجدة: 16).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل النار من بكى من خشية الله تعالى حتى يلج اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري عبد أبداً) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً) أخرجه أحمد.
الخوف معنىً متعلقه في المستقبل لأنه إنما يخاف أن يحل به مكروه، أو يفوته محبوب، ولا يكون هذا إلا لشيء يحصل في المستقبل، فأما أن يكون في الحال موجوداً فالخوف لا يتعلق به.
والخوف من الله سبحانه هو أن يخاف أن يعاقبه الله، إما في الدنيا وإما في الآخرة، وقد فرض الله سبحانه على العباد أن يخافوه فقال تعالى: {وخافون إن كنتم مؤمنين} (آل عمران: 175)، وقال {فإيي فارهبون} (النحل: 51) ، ومدح المؤمنين بالخوف فقال تعالى: {يخافون ربهم من فوقهم} (النحل: 50).
قال أبو حفص: الخوف سوط الله يقوّم به الشاردين عن بابه، وقال: الخوف سراج القلب به يبصر ما فيه من الخير والشر.
وقيل للفضيل: مالنا لا نرى خائفاً؟ فقال: لو كنت خائفاً لرأيت الخائفين لأن الخائف لا يراه إلا الخائفون، وإن الثكلى هي التي تحب أن ترى الثكلى.
وقال يحيى بن معاذ: مسكين ابن آدم، لو خاف النار كما يخاف من الفقر لدخل الجنة.
وقال شاه الكرماني: علامة الخوف الحزن الدائم.
وقال أبو القاسم الحكيم: من خاف من شيء هرب منه، ومن خاف من الله عز وجل هرب إليه.
وسئل ذو النون المصري رحمه الله: متى يتيسر على العبد سبيل الخوف؟ فقال: إذا نزّل نفسه منزلة السقيم، يحتمي من كل شيء مخافة طول السقام.
وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: إن المؤمن لا يطمئن قلبه، ولا تسكن روعته حتى يخلف جسر جهنم وراءه.
وقال رجل لبشر الحافي: أراك تخاف الموت؟ فقال: القدوم على الله عز وجل شديد.
قال الدقاق: دخلت على ابن فورك عائداً، فلما رآني دمعت عيناه، فقلت له: إن الله سبحانه وتعالى يعافيك ويشفيك، فقال لي: تراني أخاف الموت! إنما أخاف مما وراء الموت.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة} (المؤمنون:60)، أهو الرجل يسرق ويزني ويشرب الخمر؟ قال: (لا، ولكن الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف ألا يقبل منه) أخرجه أحمد والترمذي.
وقال ابن المبارك رحمه الله: الذي يهيج الخوف حتى يسكن في القلب، دوام المراقبة بالسر والعلانية.
وقال إبراهيم بن شيبان: إذا سكن الخوف القلب أحرق مواضع الشبهات عنه وطرد رغبة الدنيا عنه.
وقال حاتم الأصم: لا تغتر بموضع صالح، فلا مكان أصلح من الجنة، فلقي آدم عليه السلام فيها ما لقي، ولا تغتر بكثرة العبادة فإن إبليس بعد طول تعبده لقي ما لقي، ولا تغتر بكثرة العلم فإن بلعم (هو بلعم بن باعوراء، من علماء بني إسرائيل) كان يحسن اسم الله الأعظم فانظر ماذا لقي، ولا تغتر برؤية الصالحين، فلا شخص أكبر قدراً من المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولم ينتفع بلقائه أقاربه وأعداؤه.
ويحكى عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه قال: سألت ربي عز وجل أن يفتح عليّ باباً من الخوف، ففتح، فخفتُ على عقلي، فقلت: يارب على قدر ما أطيق، فسكن ذلك، فعلم أن الخوف يتنوع بتنوع المخوف منه، وإن تواليه على العبد يرقيه إلى أعلى الدرجات ، ويحفظ عليه ما يخاف منه الفوات، والله أعلم.
-----------------------------------------------
* بتصرف - نقلا عن كتاب (الجد في السلوك إلى ملك الملوك) للشيخ أسعد محمد الصاغرجي.