الزهد: هو الإعراض بالقلب عن الدنيا، وهو رأس كل طاعة، لأنه ضد حب الدنيا الذي هو رأس كل خطيئة.
عن أبي خلاد وكانت له صحبة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الرجل قد أوتي زهداً في الدنيا ومنطقاً فاقتربوا منه فإنه يلقّن الحكمة) أخرجه ابن ماجه بنحوه، وفيه ضعف.
وقد اختلف الناس في الزهد فمنهم من قال: الزهد في الحرام، لأن الحلال مباح من قبل الله سبحانه، فإذا أنعم على عبده بمال من حلال وتعبّده بالشكر عليه، فتركه له باختياره لا يقدم على إمساكه له بحق إذنه، فهما سواء.
ومنهم من قال: الزهد في الحرام واجب، وفي الحلال فضيلة، فإن إقلال المال والعبد صابر في حاله، راض بما قسم الله تعالى له، قانع بما يعطيه، أتم من توسعه وتبسطه، فإن الله سبحانه زهد الخلق في الدنيا بقوله تعالى: {قل متع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى} (النساء: 77) وغير ذلك من الآيات الواردة في ذم الدنيا والتزهيد فيها، كقوله تعالى: {وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين} (الزخرف: 35).
وكخبر: (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة لما سقى كافراً منها شربة ماء) أخرجه البخاري.
وكخبر البخاري: (تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض).
وخبر الترمذي: (ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بماذا يرجع) إلى قول من قال: الفقير الصابر أفضل من الغني الشاكر، ومنهم من قال: إذا أنفق العبد ماله في الطاعة وعلم من حاله الصبر، وترك التعرض لما نهاه الشرع عنه في حال العسر، فحينئذ يكون زهده في المال بحلالها أتم.
قال السري: إن الله سبحانه سلب الدنيا عن أوليائه، وحماها عن أصفيائه، وأخرجها من قلوب أهل وداده، لأنه لم يرضها لهم.
وقال يحيى بن معاذ: الزهد يورث السخاء في الملك، والحب يورث السخاء بالروح.
وقال ابن الجلاء: الزهد في الدنيا هو النظر إليها بعين الزوال، لتصغر في عينك فيسهل عليك الإعراض عنها.
قال رجل ليحيى بن معاذ: متى أدخل حانوت التوكل؟ وألبس رداء الزهد؟ وأقعد مع الزاهدين؟ فقال: إذا صرت من رياضتك لنفسك في السر إلى حد لو قطع الله عنك الرزق ثلاثة أيام لم تضعف في نفسك، فأما ما لم تبلغ هذه الدرجة، فجلوسك على بساط الزاهدين جهل، ثم لا آمن عليك أن تفتضح بينهم.
وقال أحمد بن حنبل: الزهد على ثلاثة أوجه: الأول ترك الحرام وهو زهد العوام، والثاني ترك الفضول من الحلال وهو زهد الخواص، والثالث ترك ما يشغل العبد عن الله تعالى وهو زهد العارفين.
وقال الفضيل بن عياض: جعل الله الشر كله في بيت، وجعل مفتاحه حب الدنيا، وجعل الخير كله في بيت وجعل مفتاحه الزهد.
-----------------------------------------------
* بتصرف - نقلا عن كتاب (الجد في السلوك إلى ملك الملوك) للشيخ أسعد محمد الصاغرجي.