(2) الإرادة نوعان: إحداهما الإرادة الكونية المستلزمة لوقوع المراد التي يقال فيها ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن والثانية الإرادة الدينية الشرعية وهذه لا تستلزم وقوع المراد إلا أن يتعلق بها النوع الأول من الإرادة، وفي أوائل فتح المجيد بحث مفيد في الفرق بين الإرادتين فليراجعه طالب التحقيق.
(3) اعلم أن الذي عليه الأئمة المحققون ودل عليه الكتاب والسنة، أن المشيئة والمحبة ليستا واحداً ولا هما متلازمان، بل قد يشاء ما لا يحبه ويحب ما لا يشاء كونه فالأول: كمشيئته وجود إبليس وجنوده، ومشيئته العامة لجميع ما في الكون مع بغضه لبعضه، والثاني: كمحبته إيمان الكفار وطاعات الفجار وعدل الظالمين وتوبة الفاسقين. ولو شاء ذلك لوجد كله، فإنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن اهـ.
(4) أي فليس بمجبر على أعماله لأنه يعملها بإرادته واختياره فيثاب على الطاعة ويستحق العقاب على المعصية وما أحسن قول ابن عدوان ناظم هذه العقيدة حيث قال:
وللعبد يا ذا قدرة وإرادة على العمل افهم فهم غير مبلد
فيفعل يا ذا باختيار وقدرة وليس بمجبور ولا بمضهد
(5) أي لأنهم أثبتوا خالقا لما اعتقدوه شراً غير الله. قال في التدمرية إن من الناس من جعل بعض الموجودات خلقا لغير الله كالقدرية وغيرهم، لكن هؤلاء يقرون بأن الله خالق العباد وخالق قدرتهم، وإن قالوا إنهم خلقوا أفعالهم، وقال في النونية:
فالناس كلهم أقروا أنه هو وحده الخلاق ليس اثنان
إلا المجوس فإنهم قالوا بأن الشر خالقه إله ثان
*1* الإيمان قول وعمل يزيد وينقص
@ومن أصول أهل السنة والجماعة أن الدين والإيمان قول وعمل: قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح.
وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهم مع ذلك لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر كما يفعله الخوارج بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي كما قال سبحانه في آية القصاص: (فمن عفى له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف) وقال: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله، فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين، إنما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين أخويكم).
ولا يسلبون الفاسق المللي (1) الإسلام بالكلية، ولا يخلدونه في النار كما تقوله المعتزلة بل الفاسق يدخل في اسم الإيمان المطلق كما في قوله: (فتحرير رقبة مؤمنه) وقد لا يدخل في اسم الإيمان المطلق كما في قوله تعالى: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا). وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن) ونقول: هو مؤمن ناقص الإيمان أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته فلا يعطى الاسم المطلق ولا يسلب مطلق الاسم.
_____________________________________
(1) أي الذي على ملة الإسلام، ولم يرتكب من الذنوب ما يوجب كفره كعبادة غير الله، وإنكار ما علم مجيئه من الدين بالضرورة وغير ذلك، مما هو معلوم في نواقض الإسلام، وموجبات الردة اعاذنا الله منها.
*1* وجوب حب الصحابة وأهل البيت
@ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وصفهم الله به في قوله تعالى: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه). ويقولون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم، ويفضلون من أنفق من قبل الفتح وهو صلح الحديبية وقاتل على من أنفق من بعد وقاتل، ويقدمون المهاجرين على الأنصار، ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر: (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) وبأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بل لقد رضي الله عنهم ورضوا عنه وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة، ويشهدون بالجنة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم كالعشرة وثابت بن قيس بن شماس وغيرهم من الصحابة ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، ويثلثون بعثمان ويربعون بعلي رضي الله عنهم كما دلت عليه الآثار وكما أجمع الصحابة على تقديم عثمان في البيعة مع أن بعض أهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان وعلي رضي الله عنهما - بعد اتفاقهم على تقديم أبي بكر وعمر - أيهما أفضل فقدم قوم عثمان وسكتوا وربّعوا بعلي، وقدم قوم علياً، وقوم توقفوا لكن استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان ثم علي وإن كانت هذه المسألة - مسألة عثمان وعلي - ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة، لكن التي يضلل فيها مسألة الخلافة وذلك أنهم يؤمنون أن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر ثم عثمان ثم علي، ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء فهو أضل من حمار أهله.
ويحبون أهل بيت رسول الله ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال يوم (1) غدير خم: (أذكركم الله في أهل بيتي، وقال أيضاً للعباس عمه وقد اشتكى إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم فقال: (والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي) وقال: (إن الله اصطفى بني إسماعيل واصطفى من بني إسماعيل كنانة واصطفى من كنانة قريشاً واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم) ويتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة خصوصاً خديجة رضي الله عنها أم أكثر أولاده أول من آمن به وعاضده على أمره وكان لها منه المنزلة العالية والصِّدّيقة بنت الصّدّيق رضي الله عنها التي قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) ، ويتبرءون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم وطريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل (2) ويمسكون عما شجر من الصحابة ويقولون: إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كاذب ومنها ما قد زيد فيه ونقص، وغُيِّر عن وجهه. والصحيح منه هم فيه معذورون إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون. وهم مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره بل يجوز عليهم الذنوب في الجملة ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر عنهم إن صدر، حتى إنهم يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم، لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات مما ليس لمن بعدهم. وقد ثبت بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنهم خير القرون وأن المُدَّ مِن أحدهم إذا تصدق به كان أفضل من جبل أحد ذهبا ممن بعدهم، ثم إذا كان قد صدر من أحدهم ذنب فيكون قد تاب منه، أو أتى بحسنات تمحوه أو غفر له بفضل سابقته، أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم الذي هم أحق الناس بشفاعته، أو ابتلى ببلاء في الدنيا كُفِّرَ به عنه. فإذا كان هذا في الذنوب المحققة فكيف الأمور التي كانوا فيها مجتهدين إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطأوا فلهم أجر واحد والخطأ مغفور.
ثم القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغفور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله والهجرة والنصرة والعلم النافع والعمل الصالح.
ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة وما من الله عليهم به من الفضائل علم يقيناً أنهم خير الخلق بعد الأنبياء لا كان ولا يكون مثلهم وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله.
_____________________________________
(1) قال الزمخشري: خم بضم الخاء اسم رجل صباغ أُضيف إليه الغدير الذي بين مكة والمدينة بالجحفة وقيل هو على ثلاثة أميال من الجحفة وذكر صاحب المشارق أن خما اسم غيضة هناك وبها غدير نسب إليها اهـ.
والغيضة: الشجر الملتف.
(2) هذا هو الحق الذي يجب المصير إليه ولقد ضل كثير من المؤرخين المتنطعين فجعلوا أنفسهم كأنهم حكام بين أصحاب رسول الله فصوبوا وخطأوا بلا دليل بل باتباع الهوى وضعف الدين، ولقد أحسن ابن عدوان النجدي بقوله حيث قال:
ونمسك عماَّ كان بين صحابه وما صح معذورون فيه فقل قد
فإما لهم أجران أو أجر يا فتى فلا تبغ قولاً غير ذلك تهتد
وليسوا بمعصومين فاسمع مقالنا ولكن لهم ما يوجب العفو فاهتد
فقد صح عن خير الخلائق أنهم لخير القرون افهم بغير تردد
*1* وجوب التصديق بكرامات الأولياء
@ومن أصول أهل السنة: التصديق بكرامات الأولياء (1) وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات والمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر فرق الأمة وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة.
_____________________________________
(1) كرامات أولياء الله المتقين من عباده الصالحين من الأولين والآخرين ثابتة بالكتاب والسنة، وقد أخبر الله بها في كتابه، وعرف عباده بما أكرم به أصحاب الكهف ومريم بنت عمران وآصف بن برخيا، وكذلك ثبت في كتب أهل السنة ما أكرم به عمر بن الخطاب وأُسيد بن حضير والعلاء بن الحضرمي وغيرهم مما هو مفصل في لوائح الأنوار وغيره. ومن أراد تفصيل ما أشرنا إليه فليراجع اللوائح والفرقان لشيخ الإسلام ابن تيمية وشرح الخمسين لابن رجب وغيرها، حيث إن هذه الحاشية لا تتسع لبسط ذلك، وقد عد أهل السنة من أنكر كرامات الأولياء وخوارق العادات من أهل البدع لمخالفته الدليل.
(تنبيه) لا تظن أيها القاريء أن أصحاب الطرق المبتدعة الذين يسالمون الحيات ويمسكونها ويدخلون النار تخييلاً ويضربون أنفسهم بالسلاح كذباً وتدجيلا من أولياء الله، بل هم من أولياء الشيطان، نعوذ بالله من أفعالهم ونبرأ إلى الله منهم ومن أحوالهم.
[وتفصيل ذلك يكون بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم:
فمن كان متمسكا بهما فقد نال الكرامة العظمى، وما أظهره الله له من الخوارق فيرجى أنها دليل ولايته.
ومن شذ عنهما فقد خسر، وما ظهر عليه من الخوارق فمن باب الاستدراج، نعوذ بالله من الضلال، آمين.
مشروع المحدث]
*1* من علامات أهل السنة الإتباع وليس الابتداع
@ثم من طريقة أهل السنة والجماعة اتباع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم باطناً وظاهراً واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار واتباع وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة) ويعلمون أن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ويؤثرون كلام الله على غيره من كلام أصناف الناس، ويقدمون هدي محمد صلى الله عليه وسلم على هدى كل أحد ولهذا سموا أهل الكتاب والسنة وسموا أهل الجماعة لأن الجماعة هي الاجتماع وضدها الفرقة وإن كان (لفظ) الجماعة قد صار اسماً لنفس القوم المجتمعين والإجماع هو الأصل الثالث (1) الذي يعتمد عليه في العلم والدين وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة أو ظاهرة مما له تعلق بالدين.
والإجماع الذي ينضبط هو ما كان عليه السلف الصالح. إذ بعدهم كثر الاختلاف وانتشرت الأمة.
_____________________________________
(1) وأما الأصل الأول فهو القرآن، وأما الثاني فهو سنة النبي عليه السلام.
*1* متفرقات والخاتمة
@ثم هم مع هذه الأصول يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء أبراراً كانوا أو فجاراً، ويحافظون على الجماعات ويدينون بالنصيحة للأمة ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضا) وشبك بين أصابعه، وقوله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) ويأمرون بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، والرضا بِمُرِّ القضاء، ويدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقا) ويندبون إلى أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك ويأمرون ببر الوالدين، وصله الأرحام، وحسن الجوار، والإحسان إلى اليتامى والمساكين وابن السبيل والرفق بالمملوك وينهون عن الفخر والخيلاء والبغي والاستطالة على الخلق بحق أو بغير حق ويأمرون بمعالي الأخلاق، وينهون عن سفسافها (1) وكل ما يقولونه ويفعلونه من هذا وغيره فإنما هم فيه متبعون للكتاب والسنة وطريقتهم هي دين الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم. لكن لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة، وفي حديث عنه أنه قال: (هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) صار المتمسكون بالإسلام المحض الخالص عن الشوب هم أهل السنة والجماعة وفيهم الصديقون والشهداء والصالحون ومنهم أعلام الهدى ومصابيح الدجى أولوا المناقب المأثورة، والفضائل المذكورة، وفيهم الأبدال (2) وفيهم أئمة الدين الذين أجمع المسلمون على هدايتهم وهم الطائفة المنصورة الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة) فنسأل الله أن يجعلنا منهم وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا وأن يهب لنا من لدنه رحمة إنه الوهاب والله أعلم.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
_____________________________________
(1) قوله سفسافها، السفساف، الأمر الحقير والرديء من كل شيء وهو ضد المعالي والمكارم.
(2) قوله: الأبدال: قال ابن الأثير في حديث عن الأبدال بالشام: هم الأولياء والعباد الواحد بدل كحمل وأحمال وبدل كجمل سموا بذلك لأنهم كلما مات واحد منهم أبد بآخر اهـ.
ولو قيل: إن الأبدال هم الذين يجددون الدين كما في الحديث لما كان بعيداً وليس مراده بالأبدال ما اشتهر على لسان عباد القبور حيث يقولون: الأقطاب والأوتاد والنجباء والأبدال والغوث، فيضلون بهذه الأسماء الجهال زاعمين أن لها حقيقة، وما هي والله إلا خرافات لا حقيقة لها سوى العقائد الفاسدة الزائغة الشركية.
نسأل الله الشفاعة والعافية من كل بدعة وضلالة، وأن يثبتنا على الصراط المستقيم بمنه وكرمه.
*1* خاتمة الطبع
@الحمد لله الذي خلق الخلق لعبادته ووفق من أراد سعادته لطاعته وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته.
أما بعد: فإن العقيدة الواسطية تأليف: شيخ الإسلام ابن تيمية التي ألفها إجابة لطلب القاضي رضي الدين الواسطي من أحسن ما ألفه الأئمة في بيان معتقد أهل السنة فليس في يد الطلبة اليوم أحسن منها ولا مثلها فإنه رحمه الله بين فيها القول الحق في مسألة القرآن وأنه كلام منزل غير مخلوق وأن ألفاظه وحروفه ومعانيه عين كلام الله وأن الله يتكلم بمشيئته وإرادته. كما أنه رحمه الله بين القول الصحيح في وجوب إثبات الصفات الإلهية كاستواء الله على عرشه وعلوه على خلقه ونزوله إلى السماء الدنيا كل ليلة ومجيئه يوم القيامة ونظر المؤمنين إليه سبحانه في عرصات القيامة وبعد دخولهم الجنة، ووضح معنى قرب الله من عباده ومعنى كونه معهم أينما كانوا وبين أن ذلك كله حق ثابت
[هو حق ثابت، فاستواؤه معلوم وثابت وهو غير حسي، وكذلك نزوله ومجيئه وقربه ومعيته: جميعها ثابتة وحقيقة وهي غير حسية. وقد وردت تلك الكلمات بدلالتها المعنوية - غير الحسية - في القرآن الكريم كقوله تعالى:
وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة
فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْن
وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَات
لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ
مشروع المحدث]
على ما يليق بعظمة الله تعالى وذكر قول أهل الحق في الإيمان بالقدر ورد قول المعتزلة والجبرية وبين أُصول أهل السنة التي بنوا عليها عقائدهم وأعمالهم إلى غير ذلك من قواعد العقائد المؤيدة بنصوص الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة فهي جديرة بالاعتناء بها حفظاً ودرساً ومطالعة. فلهذا علقت عليها حواش تفصل مجملها وتوضح مشكلها وتسهل فهمها لقرائها وقد امتازت هذه الطبعة الأخيرة بزيادات لم توجد في الطبعات التي قبلها لاسيما ما ذكرناه من نظم عبد العزيز بن عدوان النجدي أحد علماء الوشم رحمه الله تعالى فإنه نظم هذه العقيدة من الطويل جزاه الله خيراً وأثابه الجنة بمنه تعالى وكرمه.
وسمت همة الفاضل النجيب الشيخ عمر عبد الجبار لطبعها فجزاه الله خيراً ووفقه لنشر أمثالها من مؤلفات أهل السنة والجماعة الذين هم الفرقة الناجية الذين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى يوم القيامة كما أخبر به النبي الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً، قاله بلسانه وكتبه ببيانه.
محمد بن عبد العزيز بن مانع
*1*نهاية الكتاب
@انتهى الكتاب والحمد لله تعالى