بسم الله الرحمن الرحيم
كيف هي حالة الناس على الصراط المستقيم.........
أولاً: الصراط جسر جهنم وأحوال الناس عليه
أحبتى فى اللـه:
الصراط لغة: هو الطريق الواضح المستقيم البين، ومنه قول جرير:
أمير المؤمنين على الصراط إذا اعوج المورد مستقيم
والصراط شرعاً: المراد به هنا جسر أدق من الشعر، وأحد من السيف كما قال أبو سعيد الخدرى فى صحيح مسلم: ((الصراط جسر أدق من الشعر وأحد من السـيف يضربه اللـه جل وعلا على ظهر جهنم ليمر عليه المؤمنون إلى جنــات النعيم والمشركون إلى جهنم وبئس المصير، فهو قنطرة بين الجنة والنار)).
قال تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا [ مريم: 71 ].
قال الإمام أبو العز الحنفى فى شرح العقيدة الطحاوية ([1]): اختلف المفسرون فى المراد بالورود المذكور فى قوله تعالى وَإِنْ مِنْكُمْ إلا وَارِدُهَا [ مريم: 71 ].
وكان الرأى الأظهر والأقوى أنه المرور على الصراط قال تعالى:
ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [ مريم: 72 ].
وفى الصحيح قال رسول اللـه : ((والذى نفسى بيده لا يلج النار أحد بايع تحت الشجرة)) قالت حفصة: فقلت يا رسول اللـه، أليس اللـه يقول: وَإِنْ مِنْكُمْ إلا وَارِدُهَا قال: ((ألم تسمعيه قال: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا )).
والتحقيق العلمى للجمع بين أقوال أهل العلم فى معنى الورود هو أن الورود على النار نوعان:
الأول:
ورود بمعنى الدخول، وهذا للكافرين والمشركين، كما قال اللـه فى شأن فرعون: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ [ هود: 98 ].
الثانى:
بمعنى المرور على الصراط وهذا لا يكون إلا لأهل الأنوار من المتقين الموحدين ممن قال فيهم رب العالمين: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [ مريم: 73 ].
فأعرنى قلبك وسمعك فها هو الصادق المصدوق الذى لا ينطق عن الهوى يبين لنا بأسلوبه النبوى البليغ الموجز الرائع الجامع لبيان الكلم هذا المشهد المهيب مشهد المرور على الصراط، بل إن شئت فقل يجسد لنا هذا المشهد الذى يخلع الفؤاد، فعن أبي هريرة أن الناس قالوا: يارسول اللـه هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال النبى : ((هل تضارون فى القمر ليلة البدر؟)) قالوا: لا، يا رسول الله.فقال النبى: ((هل تضارون في الشمس ليس لها سحاب؟)) قالوا: لا، يا رسول الله. فقال النبى : ((فإنكم ترونه كذلك))([2]).
يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئاً فليتبعه، فمنهم من يتبع الشمس، ومنهم من يتبع القمر، ومنهم من يتبع الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم اللـه فيقول: أنا ربكم، فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم اللـه يقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا؟ فيدعوهم، ويضرب الصراط بين ظهرانى جهنم، فأكون أنا وأمتي أول من يجيز الصراط، ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل، وكلام الرسل يومئذ: اللـهم سلم..سلم، وفى جهنم كلاليب مثل شوك السعدان، هل رأيتم شوك السعدان؟ قالوا: نعم يا رسول الله. قال: فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا اللـه تعالى، تخطف الناس بأعمالهم، فمنهم من يوبق بعمله، ومنهم من يخردل، ثم ينجو، حتى إذا أراد اللـه رحمة من أراد من أهل النار وفى رواية: فمنهم المؤمن بقى بعمله، ومنهم المجازى حتى ينجى حتى إذا فرغ اللـه من القضاء بين العباد، وأراد ان يخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد اللـه فيخرجونهم، ويعرفونهم بآثار السجود، وحرم اللـه النار أن تأكل أثر السجود فيخرجون من النار - فكل ابن ادم تأكله النار إلا أثر السجود - فيصب عليهم ماء الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة فى حميل السيل ثم يفرغ اللـه من القضاء بين العباد، لكن هل تدبرت ما سمعت من حديث رسول اللـه r من كان يعبد الشمس يتبع الشمس ومن كان يعبد القمر يتبع القمر - وتبقى أمة الحبيب r فيها منافقوها.
فينطلق المنافقون مع أهل الإيمان فيقولون مع المؤمنين: أنت ربنا...يظنون أنهم يخدعون اللـه!!!
ترى ماذا يحدث؟!!
هنا يلقى اللـه على أهل الموقف ظلمة حالكة السواد لا يستطيع أحد فى أرض الموقف أن يخطو خطوة واحدة إلا بنور.
كما فى صحيح مسلم من حديث عائشة قالت: يارسول اللـه أين يكون الناس حين تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار؟ فقال المصطفى ((يا عائشة هم فى الظلمة دون الجسر)) وفى لفظ مسلم ((هم على الصراط)) قال ابن مسعود- كما فى مسند أحمد ورواه الحاكم وابن حبان وابن أبى حاتم وصححه الألبانى-: ((فمنهم من يكون نوره كالجبل، ومنهم من يكون نوره كالنخلة، ومنهم من يكون نوره كالرجل القائم، ومنهم من يكون نوره على إبهامه يتقد مرة وينطفأ مرة وهذا أقلهم نوراً، ومنهم من تحوطه الظلمة من كل ناحية))([3]).
أخى فى اللـه تدبر جيداً هذه الآيات:
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا تُوبُوا إلى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التحريم:8].
وقال تعالى: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [ الحديد: 12 ].
وإذا ما أراد المنافقون أن يقتربوا من الصراط سلب اللـه نورهم أو كما قال الضحاك: طفئ نور المنافقين فيتميز أهل النفاق من أهل الإيمان لذا إذا رأى أهل الإيمان نور المنافقين طفأ على الصراط، وجل المؤمنون وأشفقوا وهذا معنى قوله تعالى يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ التحريم: 8 ].
حينئذ يرى أهل النفاق فى الظلمات الحالكة أهل الأنوار من أهل الإيمان والتوحيد ينطلقون على الصراط - كما سأبين لاحقا - فينادى أهل الظلمات من أهل النفاق على أهل الأنوار من أهل الإيمان والتوحيد يا أهل الأنوار انظرونا نقتبس من نوركم لا تتركونا فى هذه الظلمات الحالكة السوداء فانتظروا لنمشى فى رحاب أنواركم.
قيل ارجعوا ورائكم فالتمسوا نوراً هذا من جنس الخداع للمنافقين كما خادعوا اللـه فى الدنيا.
في هذه اللحظات قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ % ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأمانى حتى جاء أمر اللـه وغركم بالله الغرور [الحديد:13-14].
ينادونهم أى ينادى أهل النفاق أهل الظلمة الحالكة أهل الإيمان والأنوار ألم نكن معكم نصلى الجمعات ونحضر الجماعة ونشهد الغزوات ونقف على عرفات ألم نكن معكم نؤدى سائر الواجبات قالوا بلى ولكنكم تربصتم أى بالحق وأهله والسنة وأهلها وارتبتم وتشككتم فى البعث والميزان والصراط والنار وغرتكم الأمانى حتى جاء أمر اللـه حتى فاجأكم الموت وانتقلتم الآن من عين اليقين إلى عين اليقين - أى عيانتم الحقائق بأعينكم - فرأيتم الميزان ورأيتم الصراط ورأيتم الميزان وغرتكم الأمانى حتى جاء أمر اللـه وغركم باللـه الغرور .
ويزيد الصادق المصدوق الصورة توضيحاً كما فى رواية أبى سعيد الخدرى فى صحيح مسلم قال : ((حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد اللـه من بر وفاجر، أتاهم اللـه في أدنى صورة من التى رأوه فيها، قال: فما تنتظرون، تتبع كل أمة ما كانت تعبد، قالوا: يا ربنا فارقنا الناس فى الدنيا أفقر ما كنا إليهم، ولم نصاحبهم، فيقول: أنا ربكم، فيقولوا: نعوذ باللـه منك، لا نشرك باللـه شيئا - مرتين - أو ثلاثة - حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب، فيقول: هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها؟ فيقولون: نعم فيكشف عن ساق، فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن اللـه له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد لله إتقاء ورياء إلا جعل اللـه ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خر على قفاه، ثم يرفعون رؤوسهم وقد تحول فى صورته التى رأوه فيها أول مرة، فقال: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ويقولون: اللـهم سلم.. سلم)) قيل: يا رسول اللـه، ما الجسر؟ ((قال: مدحضة مزلة، عليه خطاطيف وكلاليب وحسكة مفلطحة لها شوكة بنجد، يقال لها السعدان، فيمر المؤمنون كطرف العين، وكالبرق، وكالريح، وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلم ومخدوش مرسل، ومكدوس فى نار جهنم، حتى إذا خلص المؤمنون من النار فو الذى نفسى بيده ما من أحد منكم بأشد منا شدة لله من إستيفاء الحق من المؤمنين يوم القيامة لإخوانهم الذين فى النار يقولون: ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون، فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم، فتحرم صورهم على النار، فيخرجون خلقاً كثيراً، قد أخذت النار إلى نصف ساقه، وإلى ركبته، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها أحد ممن أمرتنا، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم فى قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم فى قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيراً))، وكان أبو سعيد يقول: إن لم تصدقونى بهذا الحديث فاقرأوا إن شئتم: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا .
((فيقـول اللـه عز وجل: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبقى إلا أرحم الرحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج فيها قوماً لم يعلموا خيراً قط، قد عادوا حمماً، فيلقيهم فى نهر من أنهار الجنة، يقال له نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحبة فى حميل السيل، ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون إلى الشمس أخضر، وما يكون منها إلى الظل، يكون أبيض؟)) فقالوا: يا رسول اللـه كأنك كنت ترعى الغنم. قال: ((فيخرجون كأنهم اللؤلؤ، فيجعل فى رقابهم الخواتيم، يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الرحمـن الذيـن أدخلهـم الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه ثم يقول: ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم، فيقولون: ربنا أعطيتنا مالم تعطى أحـداً مـن العـالمين، فيقول لكم عندى أفضل من هذا، فيقولون ياربنا أى شىء أفضل من هذا؟ فيقول: رضاى، فلا أسخط عليكم بعده أبــدا))([4]).
اللـه أكبر.. وصف ورب العزة لو تدبرناه كأن نعايشه ونراه.. ولما لا!!
والذى يبين ويوضح لنا هو من آتاه اللـه جوامع الكلم بأبى هو وأمى محمد بن عبد اللـه .
أيها المسلم باللـه عليك تدبر هذا المشهد الذى يخلع القلب وأنت على الصراط، وجهنم مسودة تزفر وتزمجر تحت الصراط، وأناس بين يديك منهم من يمر كالطرف ومنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر كالطير ومنهم من يزحف على الصراط ومنهم من تخطفه الخطاطيف والكلاليب إلى نار جهنم.
اذا برز العباد لذى الجلال
وقد برزوا كأمثال الجبال
فمنهم من يكب على الشمال
تلقاه العرائس بالغوانى
غفرت لك الذنوب فلا تبــــالى
أبت نفسى تتوب فما إحتيالى
وقاموا من قبورهم سكارى
وقد نصب الصسراط كى يجوز
ومنهم من يسير لدار عدن
يقول له الـمهيمــــن ياولــى
ثانياً: الأمانة والرحم على جانبى الصراط
واللـه إنه لمشهد يخلع القلب، والحديث فى صحيح مسلم من حديث حذيفة بن اليمان وفيه أنه قال: ((وترسل الأمانة والرحم على جانبى الصراط)) يقول الإمام النووى فى شرحه لصحيح مسلم: وإرسال الأمانة والرحم على جانبى الصراط لتطالب كل من يمر على الصراط بحقها.
هذا يدل على عظيم قدرهما عند ربهما، الأمانة حمل ثقيل أشفقت السموات والأرض والجبال أن يحملنها وحملها الإنسان قال تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً [ الأحزاب:72 ].
ترى هل تعلم معنى الأمانة؟
يقول ابن عباس رضى اللـه عنهما: الأمانة هى الفرائض التى فرضها اللـه على عباده.
يقول أبو العالية: الأمانة هى ما أمر وما نهى عنه.
يقول الحسن وقوله أبلغ قول: الأمانة هى الدين فالدين كله أمانة.
فالعبادة أمانة بأنواعها كالصلاة والزكاة والصوم والحج، وجوارحك أمانة، ومنصبك وكرسيك أمانة، والمال عندك أمانة، وزوجك وأولادك أمانة، والعلم وطالب العلم عند العالم أمانة، واللـه قد حذرنا من الخيانة فقال جل وعلا: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [ الأنفال: 27].
وفى صحيح البخارى من حديث أبى هريرة بينما النبى فى مجلس يحـدث القوم جاء أعربى فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول اللـه يحدث فقال بعض القوم: سمع ما قال فأنكر ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع حتى إذا ما قضى حديثه قال: ((أين أراه السائل عن الساعة؟)) قال: ها أنا يا رسول اللـه قال: ((إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة)) قال كيف إضاعتها؟ قال: ((إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة))([5])
وواللـه لقد وسد الأمر إلى غير أهله وتقدم وتطاول الأقزام والتافهون والرويبضات ممن قال عنهم الصادق المصدوق فى حديثه الصحيح الذى رواه أحمد والحاكم من حديث أبى هريرة: ((سيأتي على الناس سنوات خدعات يصدق فيها الكاذب ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين)).
لا فى أمر العوام بل فى أمر الإسلام.
وراعي الشاة يحمى الذئب عنها فكيف إذا الرعاة لها الذئاب
فالدين كله أمانة واللـه قد حذر من الخيانة، فالأمانة تقف على جانبى الصـراط تطـالبـك بحقوقها قبل أن تمر على الصراط فاللـه اللـه فى الأمانة والرحم.
وما أدراك ما الرحم...؟! آه ثم آه من تقطيع الأرحام فى هذا الزمان والله لقد رأينا الابن يقطع رحم أبيه وأمه.
رأينا الإنسان المسلم يأتى إلى المسجد وهو قاطع لأرحامه، يهين أباه ويهين أمه، يهين عمه ويهين عمته، يهين خاله ويهين خالته، ثم يقول: إن أهلى لا يزورنى لا يودونى، وأنا بالطبع لا أزور أحداً، إن هذا ما يسمى بتبادل المنافع والمصالح والزيارات، إن زارك عمك تقدم له زيارة وإن لم يفعل لا تفعل وهكذا ليس هذا بصلة للرحم.
إنما صلة الرحم أن تُقْطَعَ فَتَصل، أن يقطعك أهلك فتصل، هذه هى الصلة.
اسمع لهذا الحديث المرعب لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد يقول المصطفى والحديث فى الصحيحين من حديث أبى هريرة
((لما فرغ اللـه من خلق الخلق، حتى اذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: يا رب هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال: نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى قال: فذلك لك)) ثم قال المصطفى : ((إقرأوا إن شئتم قوله تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُم أَنْ تَوَلَّيْتُم أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُم أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُم))([6]).
أيها المسلم يا من تخشى المرور على الصراط اذهب من الآن ضع أنفك فىالتراب لله، وقبل يدى أبيك وقبل يدى أمك واذهب إلى أعمامك وعماتك وأخوالك وخالاتك ورحمك.. لا تقطع الرحم، فإن النبى يقول ((لا يدخل الجنة قاطع))([7]) والحديث فى البخارى ومسلم.
وفى الصحيحين من حديث أنس أنه قال ((من سره أن يبسط له فى رزقه وينسأ له فى أثره فليصل رحمه))([8]). أى من أراد أن يوسع اللـه عليه رزقه ويبارك اللـه فى أجله فليصل رحمه.
وهنا يبدو سؤال مهم: إذا كانت الأرحام التى ذكرت فيها الاختلاط والمعاصى والضلال فهل يجب علينا أن نقطعها من أجل هذا؟
الجواب: الهجر نوعان هجر للدنيا و هجر للآخرة، فإن هجرت أرحامك من أجل الدنيا فهذه هى القطيعة المحرمة وهذا هو الهجر المحرم الذى نهاك اللـه ورسوله عنه، أما إذا هجرت أرحامك من أجل دينك، فبوصلهم مثلاً يضعف الإيمان ويرق، وعندهم المعاصى تؤثر فيك، وقد خضت طريق دعوتهم وبذلت لهم النصيحة بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلتهم بالتى هى أحسن عشرات المرات، ولكنهم لم يستجيبوا فأنت تهجر هؤلاء خوفاً على دينك وأهلك وأولادك فهذا هجر قد تؤجر عليه من اللـه جل وعلا واللـه أعلم بنيتك، لحديث الثلاثة الذين خلِّفوا أَمَر النبى أهله وأصحابه أن يهجروا هؤلاء([9])، هذا الهجر كان من هجر الدين والآخرة فهو مأجور ومحمود.
ثالثاً: من هو آخر رجل يمر على الصراط وكيف يكون حاله
من هو آخر رجل يدخل الجنة من أمة الحبيب المحبوب محمد .
الجواب:
فى الحديث الجليل الذى رواه الإمام مسلم من حديث عبد اللـه بن مسعود رضى اللـه عنه قال المصطفى : ((آخر من يدخل الجنة رجل فهو يمشى على الصراط مرة وهو يكبو مرة وتسفعه النار مرة (أى تلطمه وتضربه) فإذا جاوزها إلتفت إليها فقال: تبارك الذى نجانى منك، لقد أعطانى اللـه شيئا ما أعطاه أحداً من الأولين والآخرين، فترفع له شجرة، فيقول: أى رب أدننى من هذه الشجرة أستظل بظلها وأشرب من مائها، فيقول اللـه تبارك وتعالى: يا ابن آدم لعلى إن أعطيتكها سألتنى غيرها، فيقول: لا يارب، ويعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها فيستظل بظلها ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة هى أحسن من الأولى، فيقول يارب، أدننى من هذه الشجرة لأشرب من مائها، وأستظل بظلها ولا أسألك غيرها، فيقول: يا ابن آدم ألم تعاهدنى أنك لا تسألنى غيرها؟ فيقول: لعلى أن أدنيتك منها أن تسألنى غيرها، فيعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه يعذره لأنه يرى ما لم صبر له عليه، فيدنيه منها فيستظل بظلها ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة هى أحسن من الأوليين، فيقول: أى ربى أدننى من هذه الشجرة لأستظل بظلها وأشرب من مائها ولا أسألك غيرها، فيقول: يا ابن آدم ألم تعاهدنى أن لا تسألنى غيرها؟ قال بلى يا رب هذه لا أسألك غيرها، وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فإذا أدناه منها سمع صوت أهل الجنة، فيقـول: يا رب أدخلنيهـا، فيقول: يا ابن آدم ما يرضيك منى، أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟ قال: يارب أتستهزئ منى وأنت رب العالمين)).
فضحك ابن مسعود فقال: ألا تسألونى مما أضحك؟ قالوا: مما تضحك؟ قال: ضحك رسول اللـه فقالوا: مما تضحك يا رسول اللـه؟ قال: ((من ضحك رب العالمين حين قال: أتستهزئ بى وأنت رب العالمين؟ فيقول: لا استهزئ بك ولكنى على ما أشاء قادر))([10]).
رابعاً: كيف النجاة؟
إن اللـه له فى الدنيا صراط، وإن له فى الآخرة صراط فمن استقام فى الدنيا على صراط اللـه ثبته اللـه فى الآخرة على الصراط، استقم على صراط اللـه فى الدنيا فأنت حين تصلى تدعو اللـه فى كل ركعة فى صلاتك أن يهديك هذا الصراط اهدنا الصراط المستقيم هذا الصراط هو طريق محمد بن عبد اللـه إلزم هذا الصراط واثبت عليه.