قراءة فى كتاب بيع المسترسل في الفقه الإسلامي
الكتاب من تأليف مسلم اليوسف وهو من المعاصرين وهو يبحث فى حكم بيع المسترسل وفى مقدمته قال:
" أ ما بعد :
... عرف الفقهاء المسترسل : بأنه الذي اطمأن أواستأمن للبائع ، أو هوالجاهل بالقيمة ، أوالذي لا يحسن أن يماكس .
... وعلى العموم فالمسترسل له صور كثيرة منها :
الذي يطمئن إلى البائع لصفة من صفاته ، كأن يشتهربالسوق بأنه صاحب دين وامانه فيطمئن له و يتعاقد معه .
الجاهل الذي يجهل سعر السلعة فيعلم البائع بذلك فيستغله البائع فيرفع سعر السلعة فوق سعرها الحقيقي في السوق .
هوالضعيف الذي لا يحسن أن يماكس في أمور البيع والشراء فيستغل البائع ضعفه فيغبنه .
... وعلى كل من هؤلاء يمكن أن نطلق عليهم اسم المسترسل ، سواء كان جاهلا بالسعر ، أو لا يحسن البيع والشراء أوالمطمئن إلى البائع و بيعه ."
ويمكن أن نعرفه بكونه الفرد الذى يصدق ما يقال له لأنه يحسن الظن بمن يبيعونه وقبل الدخول فى الموضوع ينبغى قول التالى :
كل البيوع من الباطل وهو باطل أحله الله شرط تراضى المتبايعين وفى هذا قال تعالى :
"يا أيها الذين أمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم"
ومن ثم يجوز للمسلمين التخلى عن التجارة الفردية واللجوء للتجارة الجماعية التى يديرها المجتمع ككل منعا لأى ضرر
وقد بين اليوسف حكم هذا النوع من البيوع فقال :
" مشروعية بيع المسترسل :
... انقسم فقهاء الشريعة الإسلامية في مشروعية بيع المسترسل إلى فريقين أحدهما يعترف بالاسترسال كعقد له حكمه واثره بل اعتبروه كغيره من العقود تحكمه القواعد العامة للعقود دون أن يكون للاسترسال أي مزية على الرغم ما قد يشوبه من غبن و فريق آخر اعترف بالاسترسال كعقد له واثاره الخاصة به شأنه شأن بيع النجش و تلقي الركبان .
ومما تقدم يمكن القول بأن هناك اجتهادين عند أهل العلم :
الاجتهاد الأول : الاسترسال تحكمه القواعد العامة للعقود .
الاجتهاد الثاني : الاسترسال له حكمه واثاره الخاصة به .
و سوف ندرس كل من الاجتهادين ثم نرجح بينهما وفق قواعد أهل العلم المعتبرة"
مما سبق يتبين أن الفقهاء اختلفوا فى حكم هذا النوع ومن ثم حاول اليوسف دراسة رأى كل فريق فقال:
"الفرع الأول:
الاجتهاد الأول:
العقد المشوب الاسترسال تحكمه القواعد العامة للعقود
وقال بهذا القول كل من فقهاء الحنفية ، والشافعية فالاسترسال عند كل هؤلاء تحكمه القواعد العامة للعقود ، لأن نقصان أو زيادة قيمة السلعة مع سلامتها لا يمنع من لزوم العقد شأنه في ذلك غيره من العقود وبالتالي لم يثبتوا الخيار للمسترسل ، لأن نقصان قيمة السلعة عندهم مع سلامتها لا يمنع من لزوم العقد "
"الفرع الثاني:
الاجتهاد الثاني:
العقد المشوب بالاسترسال له حكمه واثاره الخاصة به
وقال بهذا القول كل من فقهاء الحنابلة والمالكية لما يحوي هذا العقد بين طياته على كثير من الغبن والاستغلال لحال المسترسل .
واستدل أصحاب الاجتهاد الثاني لما ذهبوا إليه بكثير من الأحاديث و لعل أهمها ما يلي :
... 1- جعفر بن محمد عن أبيه عن علي مرفوعا : ( غبن المسترسل ربا ) .
... وفي تفسير هذا الحديث قولان لأهل العلم أحدهما :
... أنه هو الذي لا يعرف القيمة الحقيقية السلعة .
والثاني : هو الذي لا يعرف أن يماكس بل يطمئن إلى لبائع ، و يقول له أعطني هذه السلعة دون أن يماكسه في السلعة و سعرها .
2- عن أبي أمامة مرفوعا : ( غبن المسترسل حرام ) . فمنطوق هذا الحديث يبين حرمة غبن المسترسل .
3- عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : ذكر رجل لرسول الله صلى الله عليه و سلم أنه يخدع في البيوع ، فقال : من بايعت فقل لا خلابة .... وعن أنس أن رجلا كان في عقدته ضعف و كان يبايع وان أهله أتوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا رسول الله ! احجر عليه .
فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - فنهاه .
فقال : يا رسول الله ! إني لا أصبر عن البيع .
فقال : إذا بايعت فقل : هاء و هاء ، و لا خلابة .
... وجه الاستدلال : أن هذا الصحابي - رضي الله عنه - كان نتيجة مرض ما أصابه فقد قدرته على المحاكمة والمماكسة ، فأصبح عرضة للغبن والاستغلال فاستنصحه الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - أن يشترط عدم الغبن والخديعة في أي بيع يقوم به ، فإذا ما غبن هذا الصحابي في بيعه أو شرائه كان بالخيار ثلاث ليال فإن رضي أمضى العقد وان سخط ردها إلى صاحبها "
مما سبق يتبين أن فريق يقول أن البيع صحيح لأنه تم بالتراضى كأى عقد ومن ثم لا خيار للمسترسل فى رفض البيع بعد تمامه والفريق الثانى يقول أن هناك خيار للمسترسل برفض البيع بعد تمامه ‘ن أحس أنه ظلم فيه ومن ثم قام اليوسف بمناقشة رأى الفريقين ليقول لنا رأيه فقال:
"الفرع الثالث:
الترجيح بين الاجتهادين :
ذهب أصحاب الاجتهاد الأول إلى عدم الاعتراف بالاسترسال كعقد له حكمه ، واثره الخاص به وقالوا بعدم إثبات الخيار للمسترسل ، لأن نقصان قيمة السلعة مع سلامتها لا يمنع من لزوم العقد ، شأنه في ذلك شأن غيره فتحكمه القواعد العامة للعقود دون أن يكون للاسترسال مزية
وقد ردوا على أدلة أصحاب الاجتهاد الثاني بأن أحاديثهم لا ترقى إلى مستوى الدليل الذي يركن إليه أو يطمئن له ( فحديث غبن المسترسل ربا ) رواه البيهقي عن يعيش بن هشام عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر مرفوعا ، وعنه عن مالك عن الزهري عن أنس مرفوعا ، وعنه عن جعفر بن محمد بن أبيه عن علي مرفوعا .
وقد ضعفه البيهقي جدا وعلة هذا الحديث في يعيش بن هشام كما قال عنه الشيخ ناصر الألباني بأنه حديث باطل .
أما بالنسبة لحديث : ( غبن المسترسل ربا ) فقد رواه الطبراني في الكبير عن أبي أمامة مرفوعا و فيه ابن عمير الأعمى و هو ضعيف جدا
لذلك فإن كلا الحديثين المحتج بهما لا يصح الاستناد إليهما لما فيهما من علل قادحة فأحدهما باطل والآخر ضعيف جدا وفق أقوال أهل العلم المعتبرين .
أما الحديث الثالث فهو حديث صحيح متفق على صحته و لا شك بدخول بيع المسترسل ضمن أحكام هذا الحديث ، لأن فيه نقصان في قيمة السلعة و هذا ظلم لا ترضى بها أحكام الشريعة الإسلامية وقواعدها .
وبناء على ما تقدم فإننا نرى أن الرأي القائل بأن العقد المشوب بالاسترسال له حكمه واثاره الخاصة به هوالراجح للأسباب التالية :
أنهم احتجوا بحديث ( لا خلابة ) و هو حديث صحيح متفق عليه رواه البخاري و مسلم و مالك واحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه . و هذا الحديث في وجه قد أثبت الخيار ثلاثا لكل من يشترط عدم الخديعة والغبن في العقد المبرم ما بين البائع والمشتري ، لأن العبر بعموم لفظ الحديث لا بخصوص السبب والحادثة .
أي أن الحديث النبوي الشريف لا يخص الصحابي الذي به ضعف في عقله فقط بل إن حكم الحديث يشمل كل من اشترط عدم الخديعة الغبن في البيع ، و لا جرم أن المسترسل يدخل ضمن دائرة أحكام هذا الحديث ، لأنه صرح للبائع بأنه لا علم له بقيمة السلعة واستنصحه في ذلك و كأنه اشترط عدم الخديعة والغبن في البيع أوالشراء ، فإذا ما شاب العقد خديعة أو ما أي شائبة في الرضا فيثبت حينئذ للمسترسل خيار العقد الذي يمكنه من فسخ العقد واعادة الأمور إلى نصابها الصحيحة .
إن الشريعة الإسلامية كلها رحمة و حكمة ، وهي تقف مع الحق أينما وجد فكيف بمن به ضعف و خلل بحكمه فمن باب أولى أن تقف نصوص الشرع ومن يطبقها بجانب هؤلاء الذين لا يحسنون البيع والشراء أوالذين لا يعرفوا كيف يحموا أنفسهم واموالهم من أصحاب النفوس المريضة والضعيفة لذلك فأنا أميل _ والله أعلم - إلى أن العقد المشوب بالاسترسال ينطبق عليه حكم حديث ( لا خلابة ) لأن رضا المسترسل غير صحيح ذلك أنه عندما أقدم على إبرام العقد كان يعتمد على ثقته بالبائع فلما ظهر أنه قد خان هذا الثقة وانه قد غبنه بالسعر كان رضا المشتري المسترسل غير صحيح بل هو مشوب بأحد عيوب الرضا المثبت لخيار الغبن وفق منطوق و مدلول حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم ."
وما وصل إليه اليوسف صحيح فغبن المسترسل حرام أى ظلم وكل ظلم يستوجب إعادته للحق وهو ما يعنى أن من حق المسترسل أو من يعلم بما اشتراه أن يرد البيع ويأخذ له حقه من البائع يناء على قوله تعالى :
" اعدلوا هو اقرب للتقوى"