ورغم ان الموضوع طويلا بعض الشيء الا انه فيه فوائد قيّمة رحم الله إبن تيمية ورضي عنه
فصل قال الرافضي البرهان الثاني قوله تعالى يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك و أن لم تفعل فما بلغت رسالته اتفقوا في نزولها في علي و روى أبو نعيم الحافظ من الجمهور بإسناده عن عطية قال نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه و سلم في علي بن أبي طالب ومن تفسير الثعلبي قال معناه بلغ ما أنزل إليك من ربك في فضل علي فلما نزلت هذه الآيه اخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه و النبي صلى الله عليه و سلم مولى أبي بكر و عمر و باقي الصحابة بالإجماع فيكون علي مولاهم فيكون هو الإمام
و من تفسير الثعلبي لما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم بغدير خم نادى الناس فاجتمعوا فاخذ بيد علي و قال من كنت مولاه فعلي مولاه فشاع ذلك و طار في البلاد فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته حتى أتى الأبطح فنزل عن ناقته وأناخها فعقلها فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو في ملا من أصحابه فقال يا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا اله إلا الله و أنك رسول الله فقبلنا منك و أمرتنا أن نصلي خمسا فقبلناه منك و أمرتنا أن نزكي أموالنا فقبلناه منك و أمرتنا أن نصوم شهرا فقبلناه منك و أمرتنا أن نحج البيت فقبلناه منك ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك و فضلته علينا و قلت من كنت مولاه فعلي مولاه و هذا منك أم من الله قال النبي صلى الله عليه و سلم و الله الذي لا اله إلا هو هو من أمر الله فولى الحارث يريد راحلته و هو يقول اللهم أن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب اليم فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته و خرج من دبره فقتله و أنزل الله تعالى سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله و قد روي هذه الرواية النقاش من علماء الجمهور في تفسيره
و الجواب من وجوه أحدها أن هذا اعظم كذبا و فرية من الأول كما سنبينه أن شاء الله تعالى و قوله اتفقوا على نزولها في علي اعظم كذبا مما قاله في تلك الآيه فلم يقل لا هذا و لا ذاك أحد من العلماء الذين يدرون ما يقولون و أما ما يرويه أبو نعيم في الحلية أو في فضائل الخلفاء و النقاش و الثعلبي و الواحدي و نحوهم في التفسير فقد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أن فيما يروونه كثيرا من الكذب الموضوع واتفقوا على أن هذا الحديث المذكور الذي رواه الثعلبي في تفسيره هو من الموضوع وسنبين أدلة يعرف بها أنه موضوع و ليس الثعلبي من أهل العلم بالحديث ولكن المقصود هنا أنا نذكر قاعدة فنقول المنقولات فيها كثير من الصدق وكثير من الكذب والمرجع في التمييز بين هذا و هذا إلى أهل علم الحديث كما نرجع إلى النحاة في الفرق بين نحو العرب ونحو غير العرب ونرجع إلى علماء اللغة فيما هو من اللغة وما ليس من اللغة وكذلك علماء الشعر والطب وغير ذلك فلكل علم رجال يعرفون به
و العلماء بالحديث اجل هؤلاء قدرا و أعظمهم صدقا و أعلاهم منزلة و اكثر دينا وهم من اعظم الناس صدقا و أمانة و علما و خبرة فيما يذكرونه عن الجرح و التعديل مثل مالك و شعبة و سفيان و يحيى بن سعيد و عبد الرحمن بن المهدي و ابن المبارك ووكيع و الشافعي و احمد و إسحاق بن راهويه و أبي عبيد و ابن معين وابن المديني و البخاري ومسلم و أبي داود و أبي زرعة و أبي حاتم و النسائي و العجلي و أبي احمد بن عدي و أبي حاتم البستي و الدار قطني و أمثال هؤلاء خلق كثير لا يحصى عددهم من أهل العلم بالرجال و الجرح و التعديل و أن كان بعضهم اعلم بذلك من بعض و بعضهم اعدل من بعض في وزن كلامه كما أن الناس في سائر العلوم كذلك و قد صنف للناس كتبا في نقلة الأخبار كبارا و صغارا مثل الطبقات لابن سعد و تاريخي البخاري و الكتب المنقولة عن احمد بن حنبل و يحيى بن معين و غيرهما و قبلها عن يحيى بن سعيد القطان و غيره و كتاب يعقوب بن سفيان و ابن أبي خيثمة و ابن أبي حاتم و كتاب بن عدي و كتب أبي حازم و أمثال ذلك وصنفت كتب الحديث تارة على المساند فتذكر ما اسنده الصاحب عن رسول الله صلى الله عليه و سلم كمسند احمد و إسحاق و أبي داود الطيالسي و أبي بكر بن أبي شيبة و محمد بن أبي عمر و العدني و احمد بن منيع و أبي يعلى الموصلي و أبي بكر البزار البصري و غيرهم وتارة على الأبواب فمنهم من قصد مقصده الصحيح كالبخاري و مسلم و ابن خزيمة و أبي حاتم و غيرهم و كذلك من خرج على الصحيحين كإلاسماعيلي و البرقاني و أبي نعيم غيرهم و منهم من خرج أحاديث السنن كأبي داود والنسائي ابن ماجة و غيرهم و منهم من خرج الجامع الذي يذكر فيه الفضائل و غيرها كالترمذي و غيره و هذا علم عظيم من اعظم علوم الإسلام
و لا ريب أن الرافضة اقل معرفة بهذا الباب و ليس في أهل الأهواء و البدع اجهل منهم به فأن سائر أهل الأهواء كالمعتزلة و الخوارج مقصورون وفي معرفة هذا ولكن المعتزلة اعلم بكثير من الخوارج و الخوارج اعلم بكثير من الرافضة و الخوارج اصدق من الرافضة و أدين واورع بل الخوارج لا نعرف عنهم أنهم يتعمدون الكذب بل هم من اصدق الناس والمعتزلة مثل سائر الطوائف فيهم من يكذب و فيهم من يصدق لكن ليس لهم من العناية بالحديث و معرفته ما لأهل الحديث و السنة فأن هؤلاء يتدينون به فيحتاجون إلى أن يعرفوا ما هو الصدق وأهل البدع سلكوا طريقا آخر ابتدعوها اعتمدوا عليها و لا يذكرون الحديث بل و لا القرآن في أصولهم للاعتضاد لا للاعتماد
والرافضة اقل معرفة و عناية بهذا إذ كانوا لا ينظرون في الإسناد و لا في سائر الأدلة الشرعية و العقلية هل توافق ذلك أو تخالفه و لهذا لا يوجد لهم أسانيد متصلة صحيحة قط بل كل إسناد متصل لهم فلا بد من أن يكون فيه من هو معروف بالكذب أو كثرة الغلط وهم في ذلك شبيه باليهود و النصارى فأنه ليس لهم إسناد والإسناد من خصائص هذه الأمة و هو من خصائص الإسلام ثم هو في الإسلام من خصائص أهل السنة و الرافضة من اقل الناس عناية إذ كانوا لا يصدّقون إلا بما يوافق أهواءهم و علامة كذبه أنه يخالف هواهم و لهذا قال عبد الرحمن بن مهدي أهل العلم يكتبون ما لهم و ما عليهم وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم ثم أن أولهم كانوا كثيري الكذب فانتقلت أحاديثهم إلى قوم لا يعرفون الصحيح من السقيم فلم يمكنهم التمييز إلا بتصديق الجميع أو تكذيب الجميع و الاستدلال على ذلك بدليل منفصل غير الإسناد
فيقال (لهم) ما يرويه مثل أبي نعيم و الثعلبي و النقاش و غيرهم أتقبلونه مطلقا أم تردونه مطلقا أم تقبلونه إذا كان لكم لا عليكم و تردونه إذ كان عليكم فأن تقبلوه مطلقا ففي ذلك أحاديث كثيره في فضائل أبي بكر و عمر و عثمان تناقض قولكم و قد روى أبو نعيم في أول الحلية في فضائل الصحابة و في كتاب مناقب أبي بكر و عمر و عثمان و علي أحاديث بعضها صحيحة و بعضها ضعيفة بل منكرة و كان رجلا عالما بالحديث فيما ينقله لكن هو و أمثاله يروون ما في الباب لا يعرف أنه روى كالمفسر الذي ينقل أقوال الناس في التفسير و الفقيه الذي يذكر الأقوال في الفقه و المصنف الذي يذكر حجج الناس ليذكر ما ذكروه و أن كان كثير من ذلك لا يعتقد صحته بل يعتقد ضعفه لأنه يقول أنا نقلت ما ذكر غيري فالعهدة على القائل لا على الناقل
و هكذا كثير ممن صنف في فضائل العبادات و فضائل الأوقات و غير ذلك يذكرون أحاديث كثيرة و هي ضعيفة بل موضوعة باتفاق أهل العلم كما يذكرون أحاديث في فضل صوم رجب كلها ضعيفة بل موضوعة عند أهل العلم و يذكرون صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة منه و ألفية نصف شعبان و كما يذكرون في فضائل عاشوراء ما ورد من التوسعة على العيال و فضائل المصافحة و الحناء و الخضاب و الاغتسال و نحو ذلك و يذكرون فيها صلاة و كل هذا كذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يصح في عاشوراء إلا فضل صيامه قال حرب الكرماني قلت لأحمد بن حنبل الحديث الذي يروى من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته فقال لا اصل له وقد صنف في فضائل الصحابة علي و غيره غير واحد مثل خيثمة بن سليمان إلاطرابلسي و غيره و هذا قبل أبي نعيم يروي عنه إجازة و هذا و أمثاله جروا على العادة المعروفة لأمثالهم ممن يصنف في الأبواب أنه يروي ما سمعه في هذا الباب
و هكذا المصنفون في التواريخ مثل تاريخ دمشق لابن عساكر و غيره إذا ذكر ترجمة واحد من الخلفاء الأربعة أو غيره يذكر كل ما رواه في ذلك الباب فيذكر لعلي و معاوية من الأحاديث المروية في فضلهما ما يعرف أهل العلم بالحديث أنه كذب
و لكن لعلي من الفضائل الثابتة في الصحيحين و غيرهما و معاوية ليست له بخصوصه فضيلة في الصحيح لكن قد شهد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حنينا و الطائف و تبوك و حج معه حجة الوداع و كان يكتب الوحي فهو ممن ائتمنه النبي صلى الله عليه و سلم على كتابة الوحي كما ائتمن غيره من الصحابة
فإذا كان المخالف (الرافضي) يقبل كل ما رواه هؤلاء و أمثالهم في كتبهم فقد رووا أشياء كثيرة تناقض مذهبهم و أن كان يرد الجميع بطل احتجاجه بمجرد عزوه الحديث بدون المذهب إليهم و أن قال أقبل ما يوافق مذهبي وارد ما يخالفه أمكن منازعه أن يقول له مثل هذا و كلاهما باطل لا يجوز أن يحتج على صحة مذهب بمثل هذا فأنه يقال أن كنت أنما عرفت صحة هذا الحديث بدون المذهب فاذكر ما يدل على صحته و أن كنت إنما عرفت صحته لأنه يوافق المذهب امتنع تصحيح الحديث بالمذهب لأنه يكون حينئذ صحة المذهب موقوفة على صحة الحديث و صحة الحديث موقوفة على صحة المذهب فيلزم الدور الممتنع
و أيضا فالمذهب أن كنت عرفت صحته بدون هذا الطريق لم يلزم صحة هذا الطريق فأن الإنسان قد يكذب على غيره قولا و أن كان ذلك القول حقا فكثير من الناس يروي عن النبي صلى الله عليه و سلم قولا هو حق في نفسه لكن لم يقله رسول الله صلى الله عليه و سلم فلا يلزم من كون الشيء صدقا في نفسه أن يكون النبي صلى الله عليه و سلم قاله و أن كنت أنما عرفت صحته بهذا الطريق امتنع أن تعرف صحة الطريق بصحته لإفضائه إلى الدور فثبت أنه على التقديرين لا يعلم صحة هذا الحديث لموافقته للمذهب سواء كان المذهب معلوم الصحة أو غير معلوم الصحه وأيضا فكل من له أدنى علم و أنصاف يعلم أن المنقولات فيها صدق و كذب و أن الناس كذبوا في المثالث و المناقب كما كذبوا في غير ذلك و كذبوا فيما يوافقه و يخالفه و نحن نعلم أنهم كذبوا في كثير مما رووه في فضائل أبى بكر وعمر وعثمان كما كذبوا في كثير مما رووه في فضائل علي
و ليس في أهل الأهواء اكثر كذبا من الرافضة بخلاف غيرهم فأن الخوارج لا يكادون يكذبون بل هم من اصدق الناس مع بدعتهم و ضلالهم و أما أهل العلم و الدين فلا يصدقون بالنقل و يكذبون به بمجرد موافقة ما يعتقدون بل قد ينقل الرجل أحاديث كثيرة فيها فضائل النبي صلى الله عليه و سلم و أمته و أصحابه فيردونها لعلمهم بأنها كذب و يقبلون أحاديث كثيرة لصحتها و أن كان ظاهرها بخلاف ما يعتقدونه أما لاعتقادهم أنها منسوخة أو لها تفسير لا يخالفونه و نحو ذلك فالأصل في النقل أن يرجع فيه إلى أئمة النقل و علمائه و من يشركهم في علمهم علم ما يعلمون و أن يستدل على الصحة و الضعف بدليل منفصل عن الرواية فلا بد من هذا و هذا و إلا فمجرد قول القائل رواه فلان لا يحتج به لا أهل السنة و لا الشيعة و ليس في المسلمين من يحتج بكل حديث رواه كل مصنف فكل حديث يحتج به نطالبه من أول مقام بصحته و مجرد عزوه إلى رواية الثعلبي و نحوه ليس دليلا على صحته باتفاق أهل العلم بالنقل و لهذا لم يروه أحد من علماء الحديث في شيء من كتبهم التي ترجع الناس إليها في الحديث لا في الصحاح ولا في السنن و لا المسانيد و لاغير ذلك لان كذب مثل هذا لا يخفى على من له أدنى معرفة بالحديث وإنما هذا عند اهل العلم بمنزلة ظن من يظن من العامة و بعض من يدخل في غمار الفقهاء أن النبي صلى الله عليه و سلم كان على أحد المذاهب الأربعة و أن أبا حنيفة و نحوه كانوا من قبل النبي صلى الله عليه و سلم أو كما يظن طائفة من التركمان أن حمزة له مغاز عظيمة و ينقلونها بينهم و العلماء متفقون على انه لم يشهد إلا بدرا و أحدا قتل يوم أحد
و مثل ما يظن كثير من الناس أن في مقابر دمشق من أزواج النبي صلى الله عليه و سلم أم سلمة و غيرها و من أصحابه أبي بن كعب و أويس القرني و غيرهما وأهل العلم يعلمون أن أحدا من أزواج النبي صلى الله عليه و سلم لم يقدم دمشق و لكن كان في الشام أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصاري و كان أهل الشام يسمونها أم سلمة فظن الجهال أنها أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم و أبي بن كعب مات بالمدينة و أويس تابعي لم يقدم الشام ومثل من يظن من الجهال أن قبر علي بباطن النجف و أهل العلم بالكوفة و غيرها يعلمون بطلان هذا و يعلمون أن عليا و معاوية و عمرو بن العاص كل منهم دفن في قصر الإمارة ببلده خوفا عليه من الخوارج أن ينبشوه فانهم كانوا تحالفوا على قتل الثلاثة فقتلوا عليا و جرحوا معاوية و كان عمرو بن العاص قد استخلف رجلا يقال له خارجة فضربه القاتل يظنه عمرا فقتله فتبين انه خارجة فقال أردت عمرا و أراد الله خارجة فصار مثلا و مثل هذا كثير مما يظنه كثير من الجهال و أهل العلم بالمنقولات يعلمون خلاف ذلك
الوجه الثاني أن نقول في نفس هذا الحديث ما يدل على انه كذب من وجوه كثيرة فان فيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما كان بغدير يدعى خما نادى الناس فاجتمعوا فاخذ بيدي علي و قال من كنت مولاه فعلي مولاه و أن هذا قد شاع و طار في بالبلاد و بلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري و انه أتى النبي صلى الله عليه و سلم على ناقته و هو في الأبطح و أتى و هو في ملا من الصحابه فذكر انهم امتثلوا أمره بالشهادتين و الصلاة و الزكاة و الصيام و الحج ثم قال ألم ترضى بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك تفضله علينا و قلت من كنت مولاه فعلي مولاه و هذا منك أم من الله فقال النبي صلى الله عليه و سلم هو من أمر الله فولى الحارث بن النعمان يريد راحلته و هو يقول اللهم أن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فما و صل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته و خرج من دبره فقتله و انزل الله سال سائل بعذاب واقع للكافرين الآيه
فيقال لهؤلاء الكذابين اجمع الناس كلهم على أن ما قاله النبي صلى الله عليه و سلم بغدير خم كان مرجعه من حجة الوداع و الشيعة تسلم هذا و تجعل ذلك اليوم عيدا و هو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة و النبي صلى الله عليه و سلم لم يرجع إلى مكة بعد ذلك بل رجع من حجة الوداع إلى المدينة و عاش تمام ذي الحجة و المحرم و صفر و توفي في أول ربيع الأول و في هذا الحديث يذكر انه بعد أن قال هذا بغدير خم و شاع في البلاد جاءه الحارث و هو بالأبطح و الأبطح بمكة فهذا كذب جاهل لم يعلم متى كانت قصة غدير خم و أيضا فان هذه السورة سورة سأل سائل مكية باتفاق أهلا العلم نزلت بمكة قبل الهجرة فهذه نزلت قبل غدير خم قبل بعشر سنين أو اكثر من ذلك فكيف تكون نزلت بعده و أيضا قوله وإذ قالوا اللهم أن كان هذا هو الحق من عندك في سورة الأنفال و قد نزلت عقيب بدر بالاتفاق قبل غدير خم بسنين كثيرة و أهل التفسير متفقون على أنها نزلت بسبب ما قاله المشركون للنبي صلى الله عليه و سلم قبل الهجرة كأبي جهل و أمثاله و أن الله ذكر نبيه بما كانوا يقولونه بقوله و إذ قالوا الله أن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أي اذكر قولهم كقوله و إذ قال ربك للملائكة و إذ غدوت من أهلك و نحو ذلك يأمره بان يذكر كل ما تقدم فدل على أن هذا القول كان قبل نزول هذه السورة و أيضا فانهم لما استفتحوا بين الله انه لا ينزل عليهم العذاب محمد صلى الله عليه و سلم فيهم فقال و إذ قالوا اللهم أن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ثم قال الله تعالى و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون و اتفق الناس على أن أهل مكة لم تنزل عليهم حجارة من السماء لما قالوا ذلك فلو كان هذا آية لكان من جنس آية أصحاب الفيل و مثل هذا مما تتوفر الهمم و الدواعي على نقله و لو أن الناقل طائفة من أهل العلم فلما كان هذا لا يرويه أحد من المصنفين في العلم لا المسند و لا الصحيح و لا الفضائل و لا التفسير و لا السير و نحوها إلا ما يروى بمثل هذا الإسناد المنكر علم انه كذب و باطل
و أيضا فقد ذكر في هذا الحديث أن هذا القائل أمر بمباني الإسلام الخمس و على هذا فقد كان مسلما فانه قال فقبلناه منك و من المعلوم بالضرورة أن أحدا من المسلمين على عهد النبي صلى الله عليه و سلم لم يصبه هذا و أيضا فهذا الرجل لا يعرف في الصحابة بل هو من جنس الأسماء التي يذكرها الطرقية من جنس الأحاديث التي في سيرة عنترة و دلهمة و قد صنف الناس كتبا كثيرة في أسماء الصحابة الذين ذكروا في شيء من الحديث حتى في الأحاديث الضعيفة مثل كتاب الاستيعاب لابن عبد البر و كتاب ابن منده و أبي نعيم الأصبهاني و الحافظ أبي موسى و نحو ذلك و لم يذكر أحد منهم هذا الرجل فعلم انه ليس له ذكر في شيء من الروايات فان هؤلاء لا يذكرون إلا ما رواه أهل العلم لا يذكرون أحاديث الطرقية مثل تنقلات الأنوار للبكري الكذاب و غيره
الوجه الثالث أن يقال أنتم ادعيتم أنكم إثبتم بالقرآن و القران ليس في ظاهره ما يدل على ذلك أصلا فانه قال بلغ ما انزل إليك من ربك و هذا اللفظ عام في جميع ما انزل إليه من ربه لا يدل على شيء معين فدعوى المدعى أن إمامة علي هي مما بلغها أو مما أمر بتبليغها لا تثبت بمجرد القران فان القران ليس فيه دلالة على شيء معين فان ثبت ذلك بالنقل كان ذلك إثباتا بالخبر لا بالقران فمن ادعى أن القران يدل على أن إمارة علي مما أمر بتبليغه فقد افترى على القران فالقران لا يدل على ذلك عموما و لا خصوصا الوجه الرابع أن يقال هذه الآية مع ما علم من أحوال النبي صلى الله عليه و سلم تدل على نقيض ما ذكروه و هو أن الله لم ينزلها عليه و لم يأمره بها فأنها لو كانت مما أمره الله بتبليغه لبلغه فانه لا يعصي الله في ذلك و لهذا قالت عائشة رضي الله عنها من زعم أن محمدا كتم شيئا من الوحي فقد كذب و الله تعالى يقول يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك و أن لم تفعل فما بلغت رسالته لكن أهل العلم يعلمون بالاضطرار أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يبلغ شيئا من إمامة علي
و لهم على هذا طرق كثيرة يثبتون بها هذا العلم منها أن هذا مما تتوفر الهمم و الدواعي على نقله فلو كان له أصل لنقل كما نقل أمثاله من حديثه لا سيما مع كثرة ما ينقل من فضائل علي من الكذب الذي لا أصل له فكيف لا ينقل الحق الصدق الذي قد بلغ للناس ولان النبي صلى الله عليه و سلم أمر أمته بتبليغ ما سمعوا منه فلا يجوز عليهم كتمان ما أمرهم الله بتبليغه و منها أن النبي صلى الله عليه و سلم لما مات و طلب بعض الأنصار ان يكون منهم أمير و من المهاجرين أمير فأنكر ذلك عليه و قالوا الإمارة لا تكون إلا في قريش و روى الصحابة في مواطن متفرقة الأحاديث عن النبي صلى الله عليه و سلم في أن الأمامه في قريش و لم يرو واحد منهم لا في ذلك المجلس و لا غيره ما يدل على إمامة علي و بايع المسلمون أبا بكر و كان اكثر بني عبد مناف من بني أمية و بني هاشم و غيرهم لهم ميل قوي إلى علي بن أبي طالب يختارون ولايته و لم يذكر أحد منهم هذا النص و هكذا اجري الأمر في عهد عمر و عثمان و في عهده أيضا لما صارت له ولآية و لم يذكر هو ولا أحد من أهل بيته و لا من الصحابة المعروفين هذا النص و إنما ظهر هذا النص بعد ذلك و أهل العلم بالحديث و السنة الذين يتولون عليا و يحبونه و يقولون انه كان الخليفة بعد عثمان كأحمد بن حنبل و غيره من الأئمة قد نازعهم في ذلك طوائف من أهل العلم و غيرهم و قالوا كان زمانه زمان فتنة و اختلاف بين الأمة لم تتفق الأمة فيه لا عليه و لا على غيره
و قال طوائف من الناس كالكرامية بل هو كان إماما و معاوية إماما و جوزوا أن يكون للناس إمامان للحاجة و هكذا قالوا في زمن ابن الزبير و يزيد حيث لم يجدوا الناس اتفقوا على إمام وأحمد بن حنبل مع انه اعلم أهل زمانه بالحديث احتج على إمامة علي بالحديث الذي في السنن تكون خلافة النبوة ثلاثين سنة ثم تصير ملكا و بعض الناس ضعف هذا الحديث لكن أحمد و غيره يثبتونه فهذا عمدتهم من النصوص على خلافة علي فلو ظفروا بحديث مسند أو مرسل موافق لهذا لفرحوا به فعلم أن ما تدعيه الرافضة من النص هو مما لم يسمعه أحد من أهل العلم بأقوال الرسول صلى الله عليه و سلم لا قديما و لا حديثا و لهذا كان أهل العلم بالحدث يعلمون بالضرورة كذب هذا النقل كما ليعلمون كذب غيره من المنقولات المكذوبة
و قد جرى تحكيم الحكمين و معه اكثر الناس فلم يكن في المسلمين من أصحابه و لا غيرهم من ذكر هذا النص مع كثرة شيعته ولا فيهم من احتج به في مثل هذا المقام الذي تتوفر فيه الهمم و الدواعي على إظهار مثل هذا النص ومعلوم انه لو كان النص معروفا عند شيعة علي فضلا عن غيرهم لكانت العادة المعروفة تقتضي أن يقول أحدهم هذا نص رسول الله صلى الله عليه و سلم على خلافته فيجب تقديمه على معاوية و أبو موسى نفسه كان من خيار المسلمين لو علم أن النبي صلى الله عليه وسلم نص عليه لم يستحل عزله و لو عزله لكان من أنكر عزله عليه يقول كيف تعزل من نص النبي صلى الله عليه و سلم على خلافته و قد احتجوا بقوله صلى الله عليه و سلم تقتل عمارا الفئة الباغية و هذا الحديث خبر وأحد أو اثنين أو ثلاثة و نحوهم و ليس هذا متواترا و النص عند القائلين به متواتر فيا لله العجب كيف ساغ عند الناس احتجاج شيعة علي بذلك الحديث و لم يحتج أحد منهم بالنص
_________________
سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر