بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
لحمدلله وحده ،والصلاة والسلام على من لانبي بعد وبعد:
أضع بين يديك أخي القارئ بعض الفوائد في باب الإعتكاف، والتي حرصت أن لاأبقي شيئًا أثناء قراءتي تفيد القارئ ،ولها صلة بالموضوع ، وماتراه من هذه الفوائد، هي شرح لعمدة الفقه للشيخ الدكتور سلمان العوده ،والذي أسماه (فقه العبادة ) ، نظرًا لاقتصاره على أبواب العبادات أسوة بغيره من بعض أهل العلم، وهذا ماذكره في مقدمة كتابه . وبالله نستعين
١-التعريف الإصطلاحي للإعتكاف ،وهو المكث في المسجد بنية، فجميع ألفاظ الفقهاء تدور حول هذا المعنى.
٢-من أسماء الإعتكاف (الرباط) لقول النبي صلى الله عليه وسلم وفيه (فذالكم الرباط ) أخرجه مسلم.
٣- من معاني الإعتكاف أيضًا (الجوار)، كما في حديث عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصغي إلي رأسه وهو مجاور في المسجد )أخرجه البخاري ومسلم .
٤--في الغالب يطلق على لفظ الجوار نوع من الإعتكاف ،وهو المجاورة في المسجد الحرام، وكذلك الرباط ،غالبًا يطلق على لزوم الثغور لمحاربة الأعداء، لكن يشمل هذا المعنى وذاك .
٥-- للإعتكاف حكم، منها التقرب إلى الله سبحانه وتعالى ، والإنقطاع عن الناس ، والتفرغ للعبادة .
٦--أجمع أهل العلم على سنية الإعتكاف ،كما ذكرابن المنذر وغيره .
٧-الإعتكاف سنة بالإتفاق، لكن قدر السنية محل إختلاف .
الحنفية والشافعية يرون أنه سنة في العشر الأواخر من رمضان، أما المالكية والحنابلة يطلقون السنية، ولايؤكدونها.
٨--الإعتكاف قسمان :-
أ- مندوب ومسنون، وهو ماليس بواجب .
ب- واجب ويدخل فيه نوعان ١-النذر، فإذا نذر أن يعتكف سواء قلَّ اعتكافه أو كثُر، قصر أو طال ،فإنه يجب عليه الوفاء بالنذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من نذر أن يطيع الله فليطعه ...الخ )أخرجه البخاري
٢-لو شرع في اعتكاف مسنون تطوعًا ففيه قولان:
أ-يجب اتمامه ،وهو مذهب مالك ،وقول عند الحنفيه.
ب- لايجب اتمامه ،وهو المذهب ،وأيضًا مذهب الحنفيه والشافعيه ،لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك اعتكافه، ولو كان واجبًا ماتركه ،وأزواجه تركن الإعتكاف بعد نيته وضرب أبنيتهن له، ولم يوجد عذر يمنع فعل الواجب ،ولا أُمِرن بالقضاء
٩-المرأة يصح لها الإعتكاف مثل الرجل باتفاق الفقهاء.
١٠-لايجوز للمرأة أن تعتكف إلابإذن زوجها، ولو اعتكفت بغير إذنه، فإنه يجوز أن يخرجها من المعتكف.
١١-الحائض والنفساء والجنب لايصح منهم الإعتكاف عند جمهور العلماء لأنهم ممنوعون من اللبث في المسجد ،وهو رأي الأكثرين ،وهناك قول آخر على الجواز إذا أمنت تلويثه .
١٢-جمهور أهل العلم يقولون المرأة لاتعتكف في مصلاها لأنه ليس مسجدًا وإنما هو مصلى لقوله تعالى (وأنتم عاكفون في المساجد) ولو كان جائزًا لاعتكف أزواجه صلى الله عليه وسلم بدًلا من خروجهن للمسجد.
١٣-الحنفيه يقولون يجوز للمرأة أن تعتكف في مصلى بيتها، والصحيح أن المرأة لاتعتكف إلا في مصلى عام .
١٤-يقول المصنف (ولايصح من الرجل إلا في مسجد تقام فيه الجماعة )
١٥-يستثني بعض أهل العلم من لاتجب عليه الجماعة لعذر، أو من يسكن في قرية لوحده ،فهذا يصح منه.
١٦- لو اعتكف جماعة في مسجد لاتقام فيه الصلاة جماعة، صح ، لأنهم يقيمون الصلاة فيه جماعة حال اعتكافهم .
١٧-المالكية والشافعية، وقول عند الحنفية، وابن حزم يصح الإعتكاف في أي مسجد سواء أقيمت الصلوات فيه، أو لم تقم، ثم اختلفوا هل يفسداعتكافه إذا خرج للصلاة ؟
أ-المالكية والشافعية يفسد . ب- الحنفية ،وابن حزم لايفسد.
١٨-اتفق الفقهاء على أفضلية الإعتكاف في مسجد تقام فيه الجمعة، لئلا يحتاج للخروج للجمعه .
١٩-جاء عن حذيفة رضي الله عنه أنه لاإعتكاف إلا في المساجد الثلاثه ) الصحيح أنه موقوف عليه ،وليس مرفوعًا للنبي، والصحيح خلاف ذلك ،فالإعتكاف يصح في أي مسجد.
٢٠- إذا نذر الإنسان صلاة أو اعتكافًا في المسجد الأفضل، لم يجز له أن يفعلها فيما هو دونه، وإن نذر فيما هو دون، جاز له أن يفعل المنذور في الأفضل .
٢١- يستحب للمعتكف الإشتغال بفعل القرب، واجتناب مالايعنيه من قول، وعمل .
٢٢- القرب منها ماتكون محضة بين العبد ، وربه كالصلاة، والإستغفار، وغيرها ،ومنها ماتكون متعدية، كالتعليم، والتحديث، وهذه كثير من الفقهاء يرون أنه لايستحب الإنشغال به ، ومنهم جمهور الحنابلة، وبه قال مالك لأن معنى الإعتكاف عندهم هو تصفية النفس ، وهذا يعد انشغال مع الناس يفضي إلى المفاخرة والمباهاة .
٢٣-الأقرب أن القرب المتعدية سواء في تدريس القرآن، أو التحديث داخلة في عموم القرب لمن خلصت نيته .
٢٤-خروج اليد ، والرأس لايعد خروجًا من المعتكف لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم .
٢٥-الخروج لغير حاجة يبطل الإعتكاف ،كما أن الخروج لحاجة لايبطله .
٢٦-أجمع الفقهاء على جواز الخروج لقضاء الحاجة كالبول ونحوه، وأيضًا الوضوء، والإغتسال إذا لم يتمكن منه في المسجد .
٢٧-إذا لم يجد من يحضر له الطعام جاز له الخروج، ولايخل هذا في اعتكافه .
٢٨-الجمهور يرون أنه لايخرج لغسل الجمعه وغسل العيد، خلافًا للمالكية يرون الجواز ،والأقرب أنه لايخرج إلا على قول من يوجب الغسل فله الخروج .
٢٩- وجوب الخروج لصلاة الجمعه إن كان معتكفه لاتقام فيه الجمعه .
٣٠- الجمهور لايخرج لعيادة المريض ،وصلاة الجنازة إلا إذا اشترطه، لحديث عائشة (إن كنت لأدخل البيت للحاجة والمريض فيه فماأسأل عنه إلا وأنا مارة ) أخرجه مسلم .
٣١-من خرج ناسيًا لايبطل اعتكافه على الصحيح ،وهو رأي الجمهور خلافًا للحنفيه .
٣٢-المرض اليسير، كالصداع اليسير والحمى اليسيرة، لايخرج بالإتفاق، أما المرض الشديد فله الخروج بالإتفاق .
٣٣-مسألة الإشتراط فيها كلام كثير، فقال بعضهم الإشتراط في الإعتكاف لاأصل له، ولم يرد فيه شيء مرفوع في ذلك، وإنما ورد في الحج فقط قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن لك على ربك مااستثنيت ) وجمهور الفقهاء إذا اشترط شيئًا جاز ذلك .
٣٤- من جامع امرأته عامدًا ذاكرًا عالمًا، فسد اعتكافه بالإجماع لقوله (ولاتباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ) فإن كان فيه صائمًا في نهار رمضان، فعليه الكفارة ،وإن كان في الليل فسد اعتكافه ،وليس عليه كفارة عند جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة .
٣٥-دواعي الجماع كالمباشرة واللمس فيه ثلاثة أقوال :-
أ-تفسده مطلقًا وأن لم ينزل، لأنها داخلة في المباشرة المنهي عنها في الآيه (ولاتباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ) وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك، وهو قول عند الشافعية.
ب-لاتفسده مطلقًا، حتى لو ترتب عليه إنزال ،وهو قول ضعيف عند الشافعية
ج- التفصيل، إذا أنزل فسد إعتكافه، وإن لم ينزل لم يفسد إعتكافه، وهذا هو الصواب ،ويقال هذا في الصيام، وأيضًا في حال الإحرام .
٣٦- يفسد الإعتكاف ويبطله زوال التكليف بالجنون والردة- والعياذ بالله- والسكر ، والحيض والنفاس عند الأكثرية لأنهما لاتمكثان في المسجد.
٣٧-هل الصيام شرط للإعتكاف؟
أ-الصيام شرط للإعتكاف، قال القاضي عياض: هو قول الجمهور، وبه قال أبو حنيفه ،وهو مذهب الأمام مالك، ونقل عن عائشة، وابن عمر، وابن عباس، ونقل عن بعض التابعين كعروة بن الزبير والزهري، والأوزاعي، والثوري، واستدلوا بالآية (ولاتباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) فهذه الآية جاءت في سياق آيات الصوم ،فقالوا:هذا دليل على أن الصوم لابد منه للإعتكاف ، واستدلوا أيضًا بحديث عائشة (لاإعتكاف إلا بصيام )لكن هذا الحديث موقوف على عائشه .
ب-الصيام مستحب وليس واجب ،فالأولى بالمعتكف أن يصوم، أو الأولى أن يعتكف في وقت الصيام، ولايجب عليه ،وهذا مذهب الحنابلة، والشافعية ،والظاهرية، ونقل عن بعض الصحابة كابن عباس، وعلي، وابن مسعود، وغيرهم ،وهو مذهب الحسن البصري، وأبي ثور ،وداود ،وابن المنذر
دليلهم حديث عائشة، أن النبي اعتكف العشر الأول من شوال ،والعشر الأول من شوال فيها يوم العيد ،ويوم العيد لايصام
وعمر بن الخطاب سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال : كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، قال :فأوف بنذرك ) والليلة ليست محلًا للصيام ،،وكذلك لايوجد دليل على وجوب الصيام والأصل عدمه وهذا دليل قوي ،وهذا هو الراجح .
٣٨- هل للإعتكاف حد ؟
جمهور الفقهاء أن الإعتكاف ليس له حد ،ولو ساعة من نهار يعد اعتكافًا، وقيل يوم، وقيل ليلة، وقيل يوم وليلة، وهذه أقوال في مذهب الإمام مالك استنادًا لحديث عمر لأنه قال (أعتكف ليلة) وفي رواية (يومًا وليلة )
٣٩- الأقرب ،وأوسط الأقوال هو إن جلس وقتًا زائدًا عن المعتاد في المسجد بنية الإعتكاف جاز ذلك، وإن جلس بين الصلاتين سمي اعتكافًا كأن يجلس مابين المغرب والعشاء ، لأن هذا من الرباط كما جاء في الحديث (وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط )أخرجه مسلم .
فمن انتظر الصلاة بعد الصلاة فقد رابط، ومن رابط فقد اعتكف وهذا جيد وهو أوسط الأقوال والله أعلم .
بهذا انتهينا من باب الإعتكاف ، حرصت فيه أثناء القراءه ألا أدع فائدة إلا وأكتبها ، فإن كان فيه من نقص وخطأ فمن نفسي والشيطان ، وإن كان فيه من صواب فمن الله وحده .
_________________
شات طريق الاسلام
اللهم ارحمنا وارفعنا بالقران العظيم الذي ايدت سلطانه وقلت يا اعز من قائل سبحانه فاذا قرانه فاتبع قرأنه ثم ان علينا بيانه احسن كتبك نظاما وافصحها كلاما وابينها حلالا وحراما ظاهر البرهان محكم البيان محروس من الزياده والنقصان فيه وعد ووعيد وتخويف وتهديد لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد