رضا البطاوى مشرف عام
عدد المساهمات : 932 نقاط : 181100 تاريخ التسجيل : 25/01/2020
| موضوع: نظرات فى دراسة في الروايات التي نسبت الشرك للرسول(ص) السبت أغسطس 24, 2024 6:45 am | |
| نظرات فى دراسة في الروايات التي نسبت الشرك للرسول(ص) صاحب الدراسة حسين علي الشرهاني وفى مقدمة الدراسة جعل السيرة النبوية أساس التاريخ فقال : "تعد دراسة السيرة النبوية أهم الدراسات في حقل التاريخ الإسلامي، بوصفها الأساس الذي قام عليه هذا التاريخ، إذ لا يمكننا أن نفهم الأحداث التي شهدتها الدولة الإسلامية بمختلف مراحلها، من دون الرجوع إلى دراسة هذه الحقبة التاريخية" قطعا السير وكتب الروايات لا تعتبر مصدرا موثوقا للتاريخ لتناقض الروايات فيما بينها ونسبتها أمورا وذنوبا تقشعر منها الأبدان للنبى(ص) والمؤمنون برسالته والمصدر الوحيد الصحيح هو القرآن ودراسة الشرهانى تقوم على رد أحاديث من أحاديث السيرة تنسب للنبى الخاتم(ص) الشرك بالله فى مواضع متعددة وتحدث عن انتشار تلك الأحاديث فى كل أنواع الكتب التراثية وتصديق أهل الحديث والتاريخ لها رغم أنها تجعل النبى(ص) كافرا فقال : "أوردت المصادر روايات متعددة تنسب الشرك أو الاعتقاد بالأنصاب والأصنام للرسول (ص)، وتابع هذه المصادر التاريخية بعض كتب التراجم والطبقات والحديث والتفسير وغيرها، فانتشرت هذه الروايات على نطاق واسع، وتداولها الرواة حتى بلغت من الشياع بحيث أصبح من الصعب الاعتراض عليها، كونها غدت من المسلمات عند الكثير من الباحثين. فنسب بعضها للرسول (ص) الاعتقاد بالأصنام والأوثان بصورة مباشرة وصريحة، فيما ذكر بعضها الآخر هذا الأمر بصورة غير مباشرة من خلال القول إن الرسول (ص) ينحر الذبائح تقربا للأنصاب، أو انه كان يأكل من الذبائح التي تنحر تقربا لها، ومجمل هذه الروايات ذكرت بان الرسول (ص) ترك الاعتقاد بالأصنام والأوثان وكذلك ترك أكل ما ذبح على النصب بناءا على نصيحة قدمها له زيد بن عمرو بن نفيل " ميز الشرهانى بين روايات نسبت الشرم مباشرة للنبى(ص) وبين روايات أخرى نسبته له بصورة غير مباشرة وتحدث عن أن الكثير من الفقهاء والمؤرخين صدقوا الروايات وحاولوا تبرير شرك النبى(ص) من خلال تبريرات واهين فقال : "ويمكن أن نصنف هذه الروايات بالشكل الآتي: أولا: الروايات المباشرة التي نسبت الشرك للرسول (ص)): أهم رواية في هذا الباب ما نقل عن محمد بن إسحاق بن يسار كاتب السيرة المعروف، التي أشار فيها إلى أن الرسول (ص) ترك عبادة الأوثان بعد نصيحة قدمها له زيد بن عمرو بن نفيل فحدثت أن رسول الله (ص)قال وهو يحدث عن زيد بن عمرو بن نفيل ان كان لأول من عاب علي الأوثان ونهاني عنها أقبلت من الطائف ومعي زيد بن حارثة حتى مررت بزيد بن عمرو وهو بأعلى مكة وكانت قريش قد شهرته بفراق دينها حتى خرج من بين أظهرهم وكان بأعلى مكة فجلست إليه ومعي سفرة لي فيها لحم يحملها زيد بن حارثة من ذبائحنا على أصنامنا فقربتها له وأنا غلام شاب فقلت: كل من هذا الطعام أي عم قال: فلعلها أي ابن أخي من ذبائحكم هذه التي تذبحون لأوثانكم، فقلت: نعم، فقال: أما انك يا ابن أخي لو سالت بنات عبد المطلب أخبرنك أني لا آكل هذه الذبائح فلا حاجة لي بها ثم عاب علي الأوثان ومن يعبدها ويذبح لها وقال انما هي باطل لا تضر ولا تنفع او كما قال، قال رسول الله (ص)فما تمسحت بوثن منها بعد ذلك على معرفة بها ولا ذبحت لها حتى أكرمني الله عز وجل برسالته (ص) ونقلت بعض المصادر رواية عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير أن الرسول (ص) والسيدة خديجة كان عندهما صنم يعبدانه: قال حدثني جار لخديجة بنت خويلد انه سمع النبي (ص)وهو يقول لخديجة: أي خديجة والله لا أعبد اللات والعزى والله لا اعبد أبدا، قال: فتقول خديجة خل اللات خل العزى، قال: كانت صنمهم التي يعبدون ثم يضطجعون) ، ونقل ياقوت الحموي رواية دون أن يذكر سندها، جاء فيها أن الرسول (ص) كان يتقرب للعزى ويهدي لها، وانه كان على دين قومه أي الشرك، وقد بلغنا أن النبي (ص)ذكرها يوما فقال: لقد اهتديت للعزى شاة عفراء وأنا على دين قومي) ." ما نقله الشرهانى من روايات هو روايات قبل البعثة وهى اتهام مباشر للنبى بالأكل من ذبائح الأصنام وعبادة الأصنام وانتقد الشرهانى الروايات فقال : "وإذا عدنا إلى النصوص التي قدمناها في بداية البحث نجد أنها نسبت للرسول (ص) اعتقاده بعقيدة الشرك، وهي بالتأكيد لا تحتاج إلى عناء كبير من اجل تفنيدها، لكن المؤسف في الأمر أن بعض الباحثين تقبلوها كأنها حقائق ثابتة، وعلقوا عليها بوصفها تدل على التطور الفكري والعقائدي للرسول (ص)، فذكر أحدهم معلقا على رواية ابن إسحاق بقوله: إن هذا النص ضروري حتى نفهم التطور العقائدي لرسول الله (ص))، ثم يستغرب من حذف ابن هشام هذه الرواية وعد احد المستشرقين ما جاء في هذه الرواية بأنه القصة الحقيقية الوحيدة في سيرة النبي (ص) وأيد باحث آخر هذه الرأي وعد تعبد الرسول (ص) في غار حراء نتيجة لاتصاله بزيد بن عمرو بن نفيل ). وإذا ناقشنا هذه الروايات نجد أن الرواية الأولى مفردة وغريبة لم ترد عند احد من الرواة سوى ابن إسحاق، ولا يعرف سند الرواية الذي أخذها منه، إذ لم يذكر من أين استقاها فهي رواية مقطوعة عنده وليس هناك رواية أخرى تشبهها أو تؤيدها. ومتن الرواية متناقض لدرجة كبيرة بحيث يصعب قبوله لأسباب عدة، منها أن المدة التي التقى فيها الرسول (ص) بزيد بن عمرو بن نفيل كانت بعد زواجه من السيدة خديجة وتحديدا في المدة القريبة من نزول الوحي عليه، ويؤكد هذا الرأي أن زيد بن حارثة كان معه في هذا اللقاء، والمعروف أن زيد التحق بالرسول (ص) بعد زواجه من السيدة خديجة، إذ تذكر الروايات انه رآه في احد الأسواق، فأخبر السيدة خديجة فطلبت منه أن يشتريه فاشتراه واعتقه وتبناه ، وهذا يعني ان اللقاء الذي تذكره الرواية مع زيد بن عمرو بن نفيل كان بعد ان تجاوز الرسول (ص) الخامسة والعشرين من عمره، وهذا يعني ـ بحسب رواية ابن اسحاق ـ انه بقي يعتقد بعقيدة المشركين حتى بعد زواجه من السيدة خديجة، وهذا الأمر غير مقبول، لان هذه المرحلة من حياة الرسول (ص) هي التي ابتدأ فيها خلواته الروحية في غار حراء، بعد أن ارتاح من اعباء العيش وهموم الحياة، فشعر بقربه من السماء واختيارها له، ويمكن أن نستدل على ذلك من الروايات التي تحدثت عن نزول الوحي على الرسول (ص) إن ما جاء في الرواية مرفوض عقلا لأنه ليس من المعقول أن تختار السماء شخصا ليهدم عقيدة الشرك الفاسدة، ويكون هذا المختار معتقدا بالأصنام والأوثان ويعبدها حتى المدة القريبة من نزول الوحي عليه، وحتى لو افترضنا جدلا أن محمدا (ص) كان مجرد مصلح كما يعتقد الكثير من المستشرقين، فان الرواية لا تستقيم ولا يمكن قبولها، ولا نريد أن ندافع عن النبي (ص)، فهو قائم بنفسه ولا يحتاج منا المبالغة في مدحه، ويكفيه أنه صنع شيء من لا شيء، فبعد أن كان العرب أفراد وقبائل متفرقة لا يربطها رابط، وحدهم وجعل منهم أمة سيطرت على العالم " وأما الروايات غير المباشرة فقد أوردها فقال : "ثانيا: الروايات غير المباشرة: 1ـ أوردت عدد من المصادر رواية أسندتها إلى أسامة بن زيد عن أبيه زيد بن حارثة انه قال: ... خرج رسول الله (ص)وهو مردفي الى نصب من الأنصاب فذبحنا له ـ للنصب ـ شاة، ثم صنعناها له حتى إذا نضجت جعلناها في سفرتنا، ثم اقبل رسول الله (ص)يسير وهو مردفي في يوم حار من أيام مكة حتى إذا كنا بأعلى الوادي لقيه زيد بن عمرو بن نفيل فحيا أحدهما الآخر بتحية الجاهلية، ...... وأناخ رسول الله (ص)البعير الذي تحته، ثم قدمنا إليه السفرة التي كان فيها الشواء، فقال ما هذا؟ قلنا هذه الشاة ذبحناها لنصب كذا وكذا، فقال ـ زيد بن عمرو ـ إني لا آكل شيئا ذبح لغير الله ثم تفرقنا، ..... ومات زيد قبل المبعث فقال رسول الله (ص)يأتي امة وحده)" فى الرواية المباشرة لقاه وهو قادم من الطائف وهو ما يناقض أنه لقاه فى مكة فى أسفل بلدح وهو تناقض بين الرواية المباشرة والروايات غير المباشرة هنا من رفض الأكل فى الرواية عمرو بن زيد بن نفيل وهو ما يناقض أنه والرسول(ص) رفضا الأكل منها فى الرواية التالية: 2 ـ رواية موسى بن عقبة بسنده عن سالم بن عبد الله بن عمر: حدثني محمد بن أبي بكر حدثنا فضيل بن سليمان حدثنا موسى حدثنا سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي (ص)لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح قبل أن ينزل على النبي (ص)الوحي فقدمت إلى النبي (ص)سفرة فأبى أن يأكل منها ثم قال زيد إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم ولا آكل إلا ما ذكر اسم الله عليه وان زيدا بن عمرو كان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول الشاة خلقها الله وانزل لها من السماء الماء وانبت لها من الأرض ثم تذبحونها على غير اسم الله إنكارا لذلك وإعظاما له . وأورد البخاري وابن عبد البر هذه الرواية عن موسى بن عقبة باختلاف في الألفاظ وفي المعنى، وسنأتي إلى بيان هذا الأمر عند مناقشة الروايات غير المباشرة أخبرني سالم انه سمع عبد الله يحدث عن رسول الله (ص)انه لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح وذاك قبل أن ينزل على رسول الله (ص)الوحي فقدم إليه رسول الله (ص)سفرة فيها لحم فأبى أن يأكل منها ثم قال إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم ولا آكل إلا مما ذكر اسم الله عليه) " والرواية الثالثة تثبت أكل النبى(ص) من الطعام المذبوح الأصنام وهى : 3 ـ رواية نفيل بن هشام بن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل حدثنا يزيد ثنا المسعودي عن نفيل بن هشام بن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل عن أبيه عن جده قال: كان رسول الله (ص)بمكة هو وزيد بن حارثة فمر زيد بن عمرو بن نفيل فدعوه إلى سفرة لهما، فقال: يا بن أخي إني لا آكل مما ذبح على النصب قال: قلت: فما رؤي النبي (ص)بعد ذلك أكل شيئا مما ذبح على النصب) فى الروايات الثلاث السابقة من مع الرسول(ص)هو زيد وهو ما يناقض أنه من كان معه يأكل أبو سفيان بن الحارث وهى : 4 ـ أورد ابن عبد البر رواية عن نوفل بن هشام بن سعيد عن ابيه عن جدة قال ومر بالنبي (ص)ـ يعني زيد بن عمرو بن نفيل ـ ومعه أبو سفيان بن الحارث يأكلان من سفرة لهما فدعواه إلى الغداء فقال يا بن أخي إني لا آكل ما ذبح على النصب قال فما روى عن النبي (ص)من يومه ذلك يأكل مما ذبح على النصب حتى بعث صلى الله عليه وسلم) والرواية الخامسة تبين أن النبى(ص) تعلم عدم أكل ذبائح الأصنام من زيد بن عمرو بم نفيل وهى : 5 ـ أوردت مصادر أخرى رواية عن هشام بن عروة وخرج من حديث عبد الله بن محمد بن يحيى بن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله (ص)سمعت زيد بن عمرو بن نفيل يعيب أكل ما ذبح لغير الله، فما ذقت شيئا ذبح على النصب حتى أكرمني الله بما أكرمني به من رسالته) ." وتحدث عن أن الروايات المباشرة هى نفسها الروايات غير المباشرة بألفاظ مختلفة ولكن المضمون واحد وتجب الشرهانى من تصديق المصادر التراثية لتلك الروايات دون ان تناقشها أو تحللها وأما من عرفوا بكونها شرك فحاولوا تبريرها بأساليب واهية فقال : "والعجيب في كل هذا ان مصادر المسلمين المعتمدة نقلت هذه الروايات من دون أن تناقشها او تحاول تحليلها، وكأنها متفقة مع الرواة الذين نقلوا هذه الروايات التي نسبت الشرك للرسول (ص)، وحتى من حاول مناقشة هذه الروايات لم يرفضها بصورة مطلقة بل حاول تبريرها او وضع شروح لها لا تتناسب مع المعنى الصريح الذي أشارت إليه، وقد يعود السبب في ذلك ان السند الذي نقلت عنه الروايات كان سندا معتبرا عند هؤلاء والطعن في هذه الروايات يعني عدم دقة رواتها وهم من الرواة المعتبرين في كتب الحديث الإسلامية، الأمر الذي يقود الى التدقيق في الكثير من الروايات الأخرى، لذلك فضل الكثير من الكتاب المسلمين شرح الروايات وتبريرها بدلا من رفضها، والمؤسف في هذا أن هذه الروايات أساءت لشخص النبي (ص) بعد أن نسبت له الشرك أو على أقل تقدير أشركته مع غيره في الذبح للأنصاب، ومن المؤكد أن مكانة النبي (ص) اهم من أي راو مهما كانت منزلته، لذلك فالأولى ان يدافع الكتاب المسلمون عن النبي (ص) ويرفضوا أي اساءة له، بدلا من الدفاع عن أي راو نقل رواية موضوعة لا يؤيدها العقل والمنطق لأسباب عاطفية او تحزب لأسرة او مذهب او جماعة، وهذا الدفاع عن الرسول (ص) ليس دفاعا عاطفيا فقط، بل ان كل الوقائع تبين أن الرسول (ص) كان القمة في التكامل الأخلاقي والعقلي، وهذا ما يخبرنا به الله تعالى في كتابه فيقول: وانك لعلى خلق عظيم) ." ثم ذكر لنا نماذج من تبريرات الفقهاء فقال : "ومن نماذج التبريرات التي حاولت الدفاع عن الروايات، ما نقله العيني في كتابه عمدة القاري من آراء للسهيلي والخطابي وهما يدافعان عما جاء في رواية موسى بن عقبة، لكن محاولة العيني هذه ركزت على تفاصيل هذه الرواية فقط دون الخوض في الروايات الأخرى التي تناولت هذا الموضوع: وقال السهيلي: إن قلت كيف وفق زيد ترك اكل ذلك وسيدنا اولى بالفضيلة في الجاهلية لما ثبت من عصمته، قلت: عنه جوابان احدهما انه ليس في الحديث انه (ص)اكل منها وانما فيه ان زيدا لما قدمت له السفرة أبى، وثانيهما ان زيدا إنما فعل ذلك برأي رآه لا بشرع متقدم، وانما تقدم شرع ابراهيم بتحريم الميتة لا بتحريم ما ذبح لغير الله، وإنما نزل تحريم ذلك في الإسلام، وقال الخطابي: امتناع زيد من اكل ما في السفرة انما هو من اجل خوفه ان يكون اللحم الذي فيهما مما ذبح على الأنصاب، وقد كان رسول الله (ص)ايضا لا ياكل من ذبائحهم التي كانوا يذبحونها لاصنامهم فاما ذبائحهم لمأكلهم فلم نجد في الحديث انه كان يتنزه عنها، وقد كان بين اظهرهم مقيما ولم يذكر انه كان يتميز عنهم الا في اكل الميتة لان قريشا كانوا يتنزهون أيضا في الجاهلية عن اكل الميتة مع انه اباح الله لنا طعام اهل الكتاب والنصارى يذبحون ويشركون في ذلك الله تعالى) ، على الرغم من أن هذه الآراء فيها الكثير من الجوانب الصحيحة، ولاسيما ما يخص ظن زيد في أن اللحم الذي قدم له قد يكون مذبوحا للأصنام، لكن لا يخفى أن الرأيين لم يناقشا القضية الرئيسية التي شكلت اساءة للنبي (ص) وهي اعتقاده بالأنصاب والنحر والتقرب لها، إذ ركزا على مناقشة الرواية الأولى التي أوردها البخاري وغيره عن موسى بن عقبة، وتركا الرواية الثانية التي نقلها البخاري عن نفس الراوي والتي تذكر أن الرسول (ص) هو الذي قدم السفرة لزيد لكنه رفض أن يأكل منها، كذلك تركا بقية الروايات التي أوردتها المصادر الأخرى، والتي أشارت مباشرة وبصراحة إلى أن الرسول كان ينحر للأنصاب خرج رسول الله (ص)وهو مردفي إلى نصب من الأنصاب فذبحنا له شاة، ثم صنعناها له حتى إذا نضجت جعلناها في سفرتنا) ، وحتى تبرير السهيلي لما جاء في رواية موسى بن عقبة من أن الرسول (ص) لم يأكل من الطعام الذي في السفرة، فهذا أمر غير مقبول لأنه كان يحمل اللحم في سفرته ـ حسب ما تذكر الرواية الثانية عن عقبة ـ أي إنه ينوي الأكل منها، كذلك فإن قوله بأن زيدا امتنع عن الأكل برأي رآه وليس لهذا الأمر وجود في شرع إبراهيم فهو أمر ظني افتراضي، وهو لا يمكنه الجزم بأن شرع إبراهيم ليس فيه تحريم ما ذبح لغير الله، لأنه لا يعرف عن هذا الأمر كثيرا حسب ما أورده في رأيه المتقدم، ولو افترضنا جدلا إنه لم يرد تحريمه في شرع إبراهيم فهو مستقبح عقلا ولا يليق برسول الله (ص) وما أعطاه الله من الكرامة والمنزلة الرفيعة التي أستحق من خلالها أن يكون خاتم الأنبياء وسيدهم، فمثلا شرب الخمر جاء تحريمه بعد نزول آية تحريم الخمر، فهل من المعقول أن يقربها الرسول (ص)، كذلك فإن كل الروايات التي تحدثت عن حياته الشريفة (ص) ذكرت أنه كان بعيدا كل البعد عن الرذائل التي كانت منتشرة في المجتمع الجاهلي، حتى انه لم يكن يقف مع قريش في مزدلفة أيام الحج، بل كان يقف مع الناس بعرفة ، لأنه يرى أن قريشا كانت مبتدعة في هذا الأمر. وإذا افترض السهيلي في تبريره أن زيدا ترك أكل ما ذبح على النصب بناءا على رأي رآه، هذا يعني أن عقله أرشده إلى قبح هذا العمل، لأنه حسب ما تذكر الرواية يرى أن الشاة خلقها الله وانزل لها من السماء الماء وانبت لها من الأرض ثم تذبحونها على غير اسم الله)، لذلك فمن غير المعقول أن يمتنع زيد عن هذا العمل القبيح ويباشره الرسول (ص)، وقد أجاد الذهبي في وصف حال النبي (ص) قبل البعثة من اجتناب الرذائل التي كانت سائدة في المجتمع الجاهلي وما زال المصطفى محفوظا محروسا قبل الوحي، .... والذي لا ريب فيه انه كان معصوما قبل الوحي وبعده وقبل التشريع وبعده من الزنا قطعا ومن الخيانة والغدر والكذب والسكر والسجود لوثن والإستقسام بالأزلام ومن الرذائل والسفه وبذاء اللسان وكشف العورة فلم يكن يطوف بالبيت عريانا ولا كان يقف يوم عرفة مع قومه بمزدلفة بل كان يقف بعرفة وبكل حال لو بدا منه شيء من ذلك لما كان عليه تبعة لأنه كان لا يعرف ولكن رتبة الكمال تأبى وقوع ذلك منه (ص)تسليما) ، لكن على الرغم من ذلك فان الذهبي عندما يأتي ويناقش الروايات المتعلقة بهذا الباب فأنه أيضا يسلك طريق التبرير، ولا يرفض ما جاء في الروايات من تناقضات، وهو على يقين أن هذه الروايات غير مقبولة بدليل أنه علق عليها وحاول أن يجد مخرجا لها، وذلك لسبب بسيط هو أنها جاءت في بعض الكتب المعتبرة عنده ورواتها من الثقاة عند أهل الحديث، فنراه يعلق على رواية نفيل فيقول: مر زيد برسول الله صلي الله عليه وسلم وبابن حارثة وهما يأكلان في سفره فدعواه، فقال: إني لا آكل مما ذبح على النصب .... اللفظ مليح يفسر ما قبله، وما زال المصطفى محفوظا محروسا قبل الوحي وبعده ولو احتمل جواز ذلك فبالضرورة ندري انه كان يأكل من ذبائح قريش قبل الوحي، وكان ذلك على الإباحة، وإنما توصف ذبائحهم على التحريم بعد نزول الآية كما أن الخمرة كانت على الإباحة إلى أن نزل تحريمها بالمدينة بعد يوم احد، ... وبكل حال لو بدا منه شيء من ذلك لما كان عليه تبعة لأنه كان لا يعرف) ، لا ريب أن ما قدمناه من رأي الذهبي فيه كثير من الدقة، فالنبي محروس محفوظ من الله تعالى قبل الوحي وبعده، وعلى الرغم من أن الذهبي يرفض فكرة أن ينحر الرسول (ص) للأنصاب لأنه معصوم من الشرك، لكنه في نفس الوقت لا يستطع أن يرفض الروايات التي ذكرت هذا الأمر فيقول إنها موضوعة أو مبالغ فيها أو محرفة، فيعلق على رواية النحر بالقول: رواه الحربي في الغريب عن شيخين له عن أبي أسامة ثم قال في ذبحها على النصب وجهان: إما زيدا فعله عن غير أمر النبي (ص)إلا انه كان معه فنسب ذلك إليه لان زيدا لم يكن معه من العصمة والتوفيق ما أعطاه الله لنبيه وكيف يجوز ذلك وهو عليه السلام قد منع زيدا أن يمس صنم وما مسه هو قبل نبوته فكيف يرضى أن يذبح للصنم هذا محال، الثاني أن يكون ذبح لله واتفق ذلك عند صنم كانوا يذبحون عنده، قلت: هذا حسن فإنما الأعمال بالنية أما زيد فاخذ بالظاهر وكان الباطن لله، وربما سكت النبي (ص)عن الإفصاح خوف الشر فانا مع علمنا بكراهيته للأوثان نعلم أيضا انه ما كان قبل النبوة مجاهرا بذمها بين قريش ولا معلنا بمقتها قبل المبعث) . وحاول العيني إيجاد تفسير مقبول لهذه الروايات، فنقل بعض الآراء التي قيلت قبله كما أسلفنا، وحاول أن يعلق عليها بما يتناسب مع اعتقاده، فذكر رأي ابن بطال الذي لم ينكر الرواية أو يدفع التناقض الذي تحمله، بل حاول تأويلها بما لا تحتمل، فقال إن السفرة لم تكن للنبي (ص) بل لبعض القرشيين، وهم الذين قدموها للرسول (ص) فأبى أن يأكل منها، ثم قدمها لزيد فقال له إنا لا نأكل مما تذبحون على أنصابكم)، ولا يخفى أن هذا تبريرا غير منطقي؛ ..وقد رد ابن حجر العسقلاني على ابن بطال بالقول: على الرغم من أن هذا الرأي ليس صحيحا لأنه يخالف ما جاء في الروايات التي ذكرت صراحة أن الرسول (ص) كان يذبح للأنصاب أو انه كان يأكل مما ذبح لها، لكنه تطور في فهم هذه القضية لأنه يعني إن بعض شراح كتب الحديث شعروا بالحرج مما جاء في هذه الكتب، لذلك حاول بعضهم تفسير ما جاء فيها بطريقة تنزه الرسول (ص) عن هذه الإساءة، وعلى الرغم من هذا الفهم للإشكال الذي خلقته هذه الروايات، لم يستطيعوا ردها بصورة نهائية وقاطعة، ففضلوا مناقشة التفاصيل وإيجاد حل وسط لها، وذلك من خلال تأكيد صحة الرواية مع محاولة إبعاد هذه الإساءة عن الرسول (ص)، فنرى ابن حجر أتخذ جانبا آخر في تبريره لهذه الروايات، فلم يكذبها بل حاول إبعاد الأمر عن الرسول (ص)، فنقل رأيا مفاده أن النبي (ص) لا يأكل مما يذبح للأصنام، ويأكل ما عدا ذلك،) ." والتعليق على راى الشرهانى الذى اعتمد على ما سماه بعصمة النبى(ص) من الذنوب هو أن الرسول (ص) كان معصوما من اذى الناس وليس من الذنوب بعد البعثة كما قال تعالى : " والله يعصمك من الناس" والخوض فى تاريخ غير مذكور فى القرآن وهو ما قبل البعثة سوى يتمه وفقره ثم ثوته وغناه لا يمكن البت فيه إلا من خلال الروايات التى كلها روايات متناقضة مع بعضها فرغم أنها فى حادثة واحدة كما يقال إلآ أن ألأحداث تناقضت فيمن رفض الأكل ومن حضر الحادثة ومن أكل وهو أمر ليس له معنى سوى أن كل الروايات كاذبة لا يصح منها شىء وأما نتائج بحث الشرهانى فقد قال فيها : "أما أهم النتائج التي توصل إليها البحث من خلال تتبع الروايات والآراء المتقدمة فيمكن إجماله بالنقاط الآتية: 1 ـ عندما نناقش الروايات التي ذكرت زيدا بن عمرو بن نفيل ونحاول التشكيك في تفاصيلها، فإن هذا لا يعني أننا ننكر كونه من الموحدين في العهد الجاهلي، لأن مصادر المسلمين المختلفة اتفقت على أنه من الموحدين الباحثين عن الدين، لكن الأمر غير المقبول كما قدمنا هو تصوير الرواة لأفضلية زيد على الرسول (ص) 2 ـ إن ما ورد في الأحاديث من المقايسة بين زيد بن عمرو بن نفيل وبين الرسول (ص) لم يكن إلا مبالغة وتقديسا لزيد، ولا نستبعد أن الرواة كانت لهم نوايا ومقاصد من خلال هذه الروايات، وقد نجحوا في دسها في كتب المسلمين المعتبرة. 3 ـ نعتقد أن هذه الروايات فيها جانب كبير من الحقيقة ولاسيما ما يتعلق بتدين زيد بن عمرو بن نفيل، لكن الرواة ضخموها وبالغوا فيها، وذلك لاعتبارات قبلية أو دينية، في خضم الصراع الفكري والمذهبي 4 ـ شعر بعض شراح كتب الحديث بالحرج عندما وجدوا هذه الأحاديث، لذلك أرادوا أن يجدوا مخرجا ملائما لا يمس الرواة، فحاول بعضهم أن يجعل القرابين المقدمة للأصنام غير محرمة قبل الإسلام لذلك فلا مانع من أن يتناول الرسول (ص) لحومها، بينما أدرك بعضهم الآخر عدم صواب هذا الرأي، لان الأمر لا يتعلق بالحلال والحرام بل بكيفية إقبال الرسول (ص) على هذا الأمر وامتناع غيره عنه، ونتيجة لذلك أرادوا دفع هذا الأمر عن الرسول (ص)، فقال بعضهم أن قريشا هي صاحبة السفرة التي تحوي اللحم المقدم كقربان للأصنام، وقال آخرون أن زيدا بن حارثة هو الذي أقدم على النحر للأصنام من دون علم الرسول (ص)، وغير ذلك من التبريرات غير المقنعة، لكن لا أحد منهم حاول رد هذه الروايات مع أنها مسيئة للنبي (ص) ولا يقبلها العقل. وعلاوة على ما قدمناه فان هؤلاء الشراح اكتفوا بما جاء في صحيح البخاري وعلقوا عليه، لكنهم لم يتطرقوا إلى ما ورد في المصادر الأخرى، كمسند أحمد وسنن النسائي والبيهقي وصحيح ابن حبان والمعجم الكبير للطبراني وطبقات ابن سعد وتاريخ دمشق لابن عساكر والدلائل للاصبهاني وغيرها" ويظل وجود أمثال هذه الروايات معضلة فى هذا التاريخ المزيف الذى قدمته السير النبوية لا حل لها سوى استبعاد كل روايات تلك من الوجود الإسلامى لتناقضها مع القرآن ومع بعضها البعض | |
|