كتب: إسلاميات
هو ترك الشبهات، وهو الورع المندوب الشائع، وقد يُطلق على ترك المحرمات وهو الورع الواجب، وكل منهما مطلوب، عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) أخرجه الترمذي في الزهد وابن ماجه في الفتن.
وورد خبر أنه صلى الله عليه وسلم وجد تمرة في منزله -أو على الطريق- فقال: (لولا أن أخشى أن تكون من تمر الصدقة لأكلتها) أخرجه أحمد.
أما الورع فإنه ترك الشبهات كذلك، قال إبراهيم بن أدهم: الورع ترك كل شبهة.
وقال القشيري: وترك مالا يعنيك هو ترك الفضلات.
وقال أبو بكر الصديق: كنا ندع سبعين باباً من الحلال مخافة أن نقع في باب من الحرام.
وقال صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة : (كن ورعاً تكن أعبد الناس) أخرجه البيهقي في الشعب بسند ضعيف.
قال السريّ: كان أهل الورع في أوقاتهم أربعة: حذيفة بن المرتعش، ويوسف بن أسباط، وإبراهيم بن أدهم، وسليمان الخواص، فنظروا في الورع فلما ضاقت عليهم الأمور فزعوا إلى التقلل.
وقال التاهرتي: وقع من عبدالله بن مروان فلس في بئر قذرة، فاكترى عليه بثلاثة عشر ديناراً حتى أخرجه، فقيل له في ذلك، فقال: كان عليه اسم الله تعالى.
وقال يحيى بن معاذ: الورع على وجهين، ورع في الظاهر، وهو ألا يتحرك إلا لله تعالى، وورع في الباطن وهو ألا يدخل قبلك سوى الله تعالى، وقال أيضاً: من لم ينظر في الدقيق من الورع لم يصل إلى الجليل من العطاء.
وقيل: جاءت أخت بشر الحافي إلى أحمد بن حنبل، وقالت: إنا نغزل على سطوحنا فتمر بنا مشاعل الظاهرية، ويقع الشعاع علينا، أفيجوز لنا الغزل في شعاعها؟ فقال أحمد: من أنت عافاك الله؟ قالت: أخت بشر الحافي، فبكى أحمد بن حنبل وقال: من بيتكم يخرج الورع الصادق، لا تغزلي في شعاعها.
وقيل: إن بشراً الحافي دُعي إلى دعوة، فوضع بين يديه طعام، فجهد أن يمد يده إليه فلم تمتد، ففعل ذلك ثلاث مرات، فقال رجل يعرف ذلك منه: إن يده لا تمتد إلى طعام فيه شبهة، ما كان أغنى صاحب هذه الدعوة أن يدعو هذا الشيخ.
ودخل الحسن البصري مكة، فرأى غلاماً من أولاد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قد أسند ظهره إلى الكعبة يعظ الناس، فوقف عليه الحسن وقال له: ما حلال الدين؟ فقال: الورع، فقال له: فما آفة الدين؟ قال: الطمع. فتعجب الحسن منه.
وقال الحسن أيضاً: مثقال ذرة من الورع السالم خير من ألف مثقال من الصوم والصلاة.
وأوحى الله سبحانه إلى موسى عليه السلام: لم يتقرب إليّ المتقربون بمثل الورع والزهد.
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: جلساء الله غداً أهل الورع والزهد.
وقال كهمس: أذنبتُ ذنباً وها أنا أبكي عليه منذ أربعين سنة، وذلك أنه زارني أخ لي فاشتريتُ لأجله بدانق سمكة مشوية، فلما فرغ أخذتُ قطعة طين من دار جار لي حتى غسل بها يده ولم أستحله.
ورهن أحمد بن حنبل سطلاً له عند بقال بمكة حرسها الله، فلما أراد فكاكه أخرج له البقال سطلين وقال خذ أيهما هو لك. فقال أحمد: أشكل عليّ سطلي فهو لك، والدراهم لك، فقال البقال: سطلك هذا، وأنا أردتُ أن أجربك! فقال: لا آخذه، ومضى وترك السطل عنده.
ومر عيسى بن مريم عليه السلام بمقبرة، فنادى رجلاً منهم، فأحياه الله تعالى، فقال: من أنت؟ فقال: كنتُ حمالاً أنقل للناس أمتعتهم، فنقلت لإنسان يوماً حطباً ، فكسرت منه خلالاً تخللت به، فأنا مطالب به مذ متُّ.
----------------------------------------------
* بتصرف - نقلا عن كتاب (الجد في السلوك إلى ملك الملوك) للشيخ أسعد محمد الصاغرجي.