ليست العبرة فقط بالصلاة ، فربما صلّى العبد لكنّ الصّلاة بلا روح
روح الصّلاة الخشوع فيها ، الطّمأنينة بها.
رأى النّبي صلّى الله عليه و آله و سلّم رجلًا يصلّي ، فلمّا انتهى من صلاته قال له " اِرجع فصلِّ ، فإنّك لم تُصلِّ " ، مع انّه سجد و ركع و قام و أتى بالحركات ، لكنّ النّبي يقول له " فإنّك لم تُصلِّ "لِمَ ؟
ما كان يطمئنًّ بأركان الصّلاة ، كان إذا سجد ما اطمأن ، و إذا ركع ما اطمأن ، و إذا رفع و قام ما اطمأن.
من الذي يُفلح ؟
الذين يخشعون في الصّلاة هم المفلحون
من أراد الفلاح فليخشع في صلاته
كان النّبي صلّى الله عليه و آله و سلّم أكثر النّاس خشوعًا
و كان إذا بكى في الصّلاة ، يبكي ؟ أي نعم يبكي
و كان إذا بكى في الصّلاة يخرج منه صوتٌ كأزيز المنجل ، مثل القدر فيه ماءٌ يغلي ، صوت غليان الماء هذا هو صوت بكاء النّبي صلّى الله عليه و آله و سلّم
كانوا يبكون
أما أبو بكر فكان رجلًا رقيقًا إذا قرأ الفاتحة في بداية الصّلاة بكى
و كذا عُمر ، عمر بن الخطّاب كان في وجهه خطّان أسودان من البكاء ، قرأ سورة يوسف حتّى إذا وصل إلى قوله :
و كان إمامًا بكى فسُمِع نشيجه من وراء الصّفوف
عثمان بكّاء قارئ للقرآن يبكي
و علي ، الرجل النّقي ، الإمام التّقي ، الذي ما صلّى صلاة إلا و خشع فيها
هكذا كان الصّالحون يخشعون
سفيان الثوري كان من خشوعه في الصلاة ، لو رأيته و هو يُصلّي و هو خاشع لقلت سيموت الآن من شدة خشوعه
يقول الحسن البصري " يوشِكُ أن تدخل مسجد جماعة ، فلا ترى فيه خاشعا "
كأنّه يتحدّث عن زماننا ، كأنّه والله يتحدّث عنّا اليوم ، إلّا من رحم ربّي .
زين العابدين هو علي ابن حسين ابن علي بن أبي طالب ، كان إذا توضّأ قبل الصّلاة تغيّر وجهه و اصفرّ لونه ، قالوا مالك يرحمك الله ؟ لِمَ يصفرُّ لونك ؟ ، قال تدرون بين يدي من سأقف ؟ يخاف ، يرتعد ، يضطرب ، هذا قبل الصّلاة ، فما بالكم في الصّلاة ؟
تريد الخشوع ، اعتقد في نفسك و اجزم أنّ هذه الصّلاة قد تكون آخر صلاة في حياتك ، صلّ صلاة مودّع ، كأنّك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك ، ضع الجنّة و النّار عن يمينك و عن شِمالك ، ضع الصّراط تحتك ، انظر إلى الموت أمامك ، تخيّل قبرك يا عبد الله ، ثمّ كبّر للصّلاة و تفكّر فيها ، اطمئن ، اخشع ، تدبّر ما تقرأ يا عبد الله
صلّى عمر بن عبد العزيز ليلة ، فأخذ يبكي ، يبكي و هو يصلّي من آية قرأها ، ما استطاع أن يكملها
فأخذ يبكي و بكى من وراءه بالمسجد حتّى ارتجّ المسجد بالبكاء .
كانوا خاشعين
كان بعضهم إذا صلّى كالزّبير رضي الله عنه ، إذا صلّى كأنّه خشبة ، كأنّه عمود ، من طول قيامه و من ثباته
ما يلتفت الواحد منهم لا يمنة ولا يسرة ، ينظر إلى موضع سجوده ، يزيلون كل ما يشغلهم في مُصلّاهم ، الواحد منهم يستشعر أن الله عزّ و جلّ يستقبله للصّلاة ، موقفهم عظيم
يقول ابن القيّم رحمه الله " للعبد موقفان ، إن صلُح الأول صلُح الآخر ، و إن فسد الأوّل فسد الآخر " قيل و ما هما ؟ قال " الموقف الأول صلاته في الدّنيا ، و الموقف الآخر حسابه عند الله يوم القيامة "
فإن صلح الموقف الأول ، صلاته صلُحت ، صلُح الموقف الآخر
بعض الناس ربّما يلهيه الشّيطان الصّلاة فليستعذ ، كلّما صرفه الشيطان " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " ، ثمّ يكمل صلاته يتدبّر فيها ، إذا ركع عظّم الله " سبحان ربّي العظيم ، سبحان ربّي العظيم ، سبحان ربّي العظيم " يُعظّم ربّه جلّ وعلا ، و إذا سجد سبّح الله ، و دعا الله و سأل الله خير الدّنيا و الآخرة ، إذا قام ذكر الله ، إذا ركع و سجد و جلس قلبه مشغول بالصّلاة .
كن خاشعًا يا عبد الله ، هذه الصّلاة الحقيقية
الصّلاة الحقيقية ، أن يخرج الإنسان منها قد تأثّر قلبه .
يقول أحدهم عن السعيد ابن عبد العزيز- أحد الصّالحين – يقول " كنتُ أسمعُ وقعَ دُموعه في الصّلاة على الحصير ، كان إذا صلّى دمعت عيناه "، لا يسمع بكاءه و لكن يسمع وقعَ دموعه على الحصير وهو يُصلّي .
سفيان الثّوري – شوف الخشوع و الطّمأنينة و الهدوء في الصّلاة – صلّى المغرب في الحرم ، في صحن الكعبة ، ثمّ بعد صلاة المغرب صلّى السّنة ، فسجد في السنّة و لم يرفع رأسه من السّجود إلّا عند أذان العشاء .
يطمئنّون في الصّلاة ، يخشعون في الصّلاة ، يتأثّرون في الصّلاة ، يعلمون أنّ صلاةً بلا خشوع لا روح فيها .
من أراد أن يخشع فليستعد ، لا تدخل إلى الصّلاة مباشرة - صلاة الجماعة - ، صلِّ السّنة ، اُدعُ بين الأذان و الإقامة ، اِقرأ شيئًا من القرآن ، اِصرف الدّنيا عنك ، تذكّر الموت وراءك ، ثمّ إذا كبّرت في الصّلاة كن حاضر القلب ، لا تُشغله بشيء من الدّنيا ، إذا أردت أن تخشع في الصّلاة فغيّر أذكار السّجود ، غيّر أذكار الرّكوع ، فالسّنة فيها أذكار متعدّدة ، لا تقرأ نفس السّورة في كلّ ركعة تركعها ، اِحفظ شيئًا من القرآن ، غيّر السّور ، اِعرف تفسيرها حتّى تتدبّر ما تقرأ في الصّلاة .
صلاة بخشوع سبيل للفلاح
من أراد الأجر العظيم فليحرص على خشوعه في كلّ صلاة .
لفضيلة الشيخ : نبيل العوضي .
في امان الله